ذكرى البيعة الخامسة.. عقد وعهد ووفاء

طلال الشريف
طلال الشريف

تحتفي المملكة العربية السعودية بكل مكوناتها بذكرى البيعة الخامسة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – وفقه الله – ذكرى التحول النوعي في إدارة الدولة بعد مرور ست فترات من الحكم متشابهة إلى حد كبير في ممارساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية  وحتى في علاقاتها الدولية.

وتأتي هذه الفترة من الحكم مختلفة جذرياً  في كل شيء ، وأبرز مظاهر الاختلاف نمط القيادة وطبيعة الممارسات الإدارية والقيادية في حكم الدولة ، فالملك سلمان شخصية قيادية تحويلية بكل المقاييس ، بل وأضاف أبعاداً جديدة للمهتمين ببناء النظريات القيادية التحويلية كبعد الحزم في القيادة وبعد ضبط ردود الأفعال وبعد التفويض الكامل وبعد صناعة القيادات اللاحقة.

والحقيقة أنه يندر أن تجد في قراءة التاريخ القديم والحديث شخصية مماثلة لشخصية الملك سلمان ، فقد عاش حياته في بيت الحكم السياسي وتشرب خبراته في كنف والده وعاصر إخوانه الملوك عبر عقود طويلة من الزمن وشارك في بناء الدولة وإدارتها مشاركة فعلية، وعرف بثقافته العالية وحبه للقراءات التاريخية خاصة وفهمه للأحداث ووعيه الكبير بأنساب القبائل وتثمينه لمكانة القبيلة ولأدوارها منذ تأسيس الدولة ومهاراته في إدارة الصراعات، وكان ولا يزال الأب الفعلي والروحي للأسرة المالكة الكريمة وللشعب السعودي.

ولو عدنا إلى ما قبل خمس سنوات تقريباً وتأملنا واقعنا لوجدنا مجموعة من التحديات والمؤشرات التي كانت تنذر بخطورة تعرض بلادنا لانهيار اقتصادي محتمل فضلاً عن الضغوط السياسية والاجتماعية وبعض الصراعات المقيتة والتهديدات الخارجية نحو وحدة الدولة وكيانها واستقلاليتها ، فما كان من الملك سلمان وإدراكاً منه بخطورة تلك التهديدات إلا البدء بإصلاحات نوعية وتحقيق العديد من الانجازات المحورية ، وبإلماحة منصفة نجد على مستوى حكم الدولة قراراته بإعادة هيكلة معظم أجهزة الدولة العليا، ومنحه للشباب الفرصة الكاملة في إدارة شؤون الدولة باختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في صورة مختلفة من صور انتقال الحكم بين أبناء الملك عبدالعزيز- يرحمه الله - وبطريقة حضارية هادئة حظيت بتأييد الأسرة المالكة وكافة شرائح المجتمع السعودي والمجتمع الدولي.

وما كان لذلك الاختيار أن يأتي من فراغ بل من خلال معرفة الملك سلمان بشخصية وقدرات ابنه الأمير محمد وكفاءته العالية رغم أنه ليس أكبر أبناءه وإنما أنسبهم لتولي مهام ولاية العهد ، وترجم الملك سلمان تلك الثقة في ولي العهد وشباب المملكة باعتبارهم الشريحة الأكبر بموافقته على رؤية 2030 بكل تفاصيلها التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان لتكون خطة استراتيجية لمستقبل المملكة العربية السعودية.

وأثبت الأمير محمد بن سلمان صحة ذلك الاختيار وجودته من خلال نجاحه الباهر في إدارة شؤون الدولة وأعقد الملفات الداخلية والخارجية وبناء صورة جديدة للملكة العربية السعودية تقوم على حسن استثمار مقومات وموارد الدولة وخاصة العنصر البشري ورفع مستوى التأثير الدولي لبلادنا ، وليصبح الشخصية السياسية الأبرز على مستوى العالم وتصبح بلادنا حديث العالم في مجال الاصلاح والتطوير والتنمية.

وعلى صعيد الإصلاح الاجتماعي اعتمد الملك سلمان العديد من القوانين والأنظمة واللوائح الجديدة وتطوير القائم منها في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية ، واتخذ قرارات كان من المستحيل اتخاذها في عهود سابقة كقرار تمكين المرأة ورفع مستوى مشاركتها في مشروعات التنمية ومنحها المزيد من الحقوق المسلوبة والحد من الصراعات الفكرية داخل المجتمع السعودي بالدعوة المتكررة لانتهاج الوسطية في ممارسات الحياة بين مختلف شرائح المجتمع  فلا غلو ولا تطرف سواء كان ذلك دينياً أو أخلاقيا ، ودعم جهود مؤسسات الدولة في محاربة الإرهاب والفكر المتطرف.

وعلى الجانب السياسي والأمني أدرك بخبرته وحنكته مخاطر التهديدات التي تمارسها دولة إيران في المنطقة ونزعتها التوسعية ودعمها الكامل لأذرعها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا ، فعمد إلى إعادة ترتيب العلاقات في منطقة الشرق الأوسط والخليج خاصة والمحافظة على استقرار أهم منطقة في العالم وضمان سلامة إمدادات النفط في المعابر الدولية، فأعلن عاصفة العزم والحزم استجابة للأشقاء في اليمن وحكومتهم الشرعية واتبعها بعمليات اغاثية غير مسبوقة للتقليل من آثار الصراع داخل اليمن والمحافظة على وحدته وكيانه.

كما حرص على حفظ مكانة لبنان كدولة ذات سيادة والحد من تأثيرات حزب الله على استقرار لبنان وعلاقاته الدولية ، وعمل على مساعد العراقيين على استعادة بلادهم من التوسع والتمدد الإيراني وحماية مقدراته ليعود العراق إلى حضنه العربي ، وسعى مع دول العالم إلى المحافظة على كيان سوريا ووحدتها وحماية شعبها من بطش الصراعات الدولية فيها ، وفتح المجال لأمير الكويت لحلحلة الخلافات مع قطر وتغيير نهجها السياسي في المنطقة ووقف دعمها السياسي والمالي للحركات الإرهابية المتطرفة ولوسائل الإعلام التي تبث الفرقة بين دول الخليج خاصة والأمة الإسلامية عامة.

وعلى الصعيد الاقتصادي أطلق الحرية لولي العهد في استكشاف مكامن القوة الاقتصادية ودفعه للتوجه نحو تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط وتشجيع الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال وانعاش القطاع السياحي وإنشاء العديد من المشروعات الوطنية التنموية ، وطرح جزء من أعظم شركة في تاريخ البشرية للاكتتاب وهي أرامكو السعودية.

إن الاحتفاء بذكرى البيعة عقد وعهد ووفاء يقوم به أهل  الحل والعقد لولي الأمر ويترتب عليه التزامات للطرفين ونقضه غدر ، وهو التزام شرعي وشعبي محبب في نفوس السعوديين يجددونه كل عام  لولي أمرهم وإمامهم خادم الحرمين الشريفين ، وهو تأكيد لقوة العلاقة بين السعوديين وقيادتهم ، تلك العلاقة القائمة على كتاب الله تعالى وسنة نبيه وعلى الاحترام والتلاحم والترابط والثقة المتبادلة والوعي الكافي بقيمة المحافظة على كيان الدولة ومكتباتها في ظل الظروف الدولية المعاصرة .