أسرار إيران قبيل نهاية 2019

شذى جريسات

بعد أن عادت خدمة الإنترنت للشعوب في داخل جغرافية إيران بعد مظاهرات الغضب التي أفرزها قرار رفع سعر المحروقات 3 أضعاف قيمتها بين ليلة وضحاها في 15/11/2019 بدأت تتجلى الحقائق وتظهر بشاعة نظام الملالي القابع في طهران وظهرت القصص الكثيرة عن القتلى والجرحى، ولكن و بالرغم من تمكن ذلك النظام الدموي من إحكام سيطرته على الثورة بالحديد والنار، بدا وكأنه لم يقرأ التاريخ ولم يعتبر من المؤشرات والعلامات الواضحة التي بدأت تؤكد قرب سقوطه وانهياره.
واستمراراً لفضح أسرار هذا النظام المارق الذي فقد البوصلة في ظل تلاحق الضربات المتواصلة ضده في داخل جغرافية ما يسمى إيران أو من العراق حيث ثار عليه وعلى أذنابه أهل الجنوب العراقي الطيبون الذين انسلخ الكثير منهم من عروبتهم وراء حلم الدولة الشيعية العادلة لكنهم صدموا أيما صدمة، وتيقنوا أخيراً ان الحكم الشيعي، وعملاء إيران الشيعة دمروا العراق ودمروا حياة الناس العراقيين الذين زاد فقرهم وتشردهم في مختلف أنحاء العالم، وافتقدوا الأمن الذي كانوا يعيشونه! وحتى ثورة لبنان شبه الهادئة للآن ضرباتها غير هينة ضد أذناب إيران هناك.
اضف لذلك ان الحكمة الإلهية لها كلمة وجاءت الكارثة البيئية في العاصمة طهران استكمالاً لمسلسل فضح وتعرية نظام ملالي طهران الاجرامي، فلقد أعلنت الدولة ذاتها أن الضباب الكيميائي وصل لذروته في العاصمة طهران يوم الأربعاء الماضي 25/12/2019 لسته أيام على التوالي لدرجة أن الجو أصبح ضاراً بالجميع وليس لفئة الأطفال وكبار السن كما هو المعتاد في نشرات الطقس الخاصة بطهران وغيرها من مدن فارسية وغير فارسية أخرى، والتي عادة ما تتبع باجراء غلق المدارس احتياطاً للمحافظة على تلك الفئات من هذه الاخطار.
والسبب خلف تلك الازمات البيئة هي عوامل مختلفة ومنها ما هو طبيعي مثل انتشار سلسلة جبال البرز شمال طهران والتي تحد من وصول الهواء للمدينة، اما العامل الأهم فهو سوء إدارة نظام الملالي لتوسع المدينة والتي أصبحت عبارة عن اكداس من العشوائيات، فالبناء دون تخطيط جيد مع إهمال الصرف الصحي بشكل شبه تام وانتشار المصانع التي لا تبالي بالسلامة الصناعية ولا تعتمد المعايير القياسية العالمية في الأمن والسلامة لأن المنفذين ومن يتبعهم نشروا الكثير من المصانع والمعامل التي تملأ السماء بالغازات السامة فضلاً عن ملايين السيارات والدراجات النارية الرديئة المصنعية التي تجوب المدينة وتنفث عوادمها الدخان السام.
فالسيارات في عموم إيران هي فئات قديمة لا توجد حتى في أفقر البلاد الإفريقية مثل سيارات برايت المتواضعه، والبيجو الفرنسية -اسماً فقط-فمثلاً البيجو الفرنسية يتم تجميعها منذ أيام الشاه محمد رضا بهلوي ولم يتم إضافة تحديثات تذكر لها منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي! وما زاد الأمر سوءاً هو امتناع فرنسا عن إرسال قطع الغيار الأصلية لإيران منذ سنوات، ومن ثم تم الاعتماد على قطع الغيار التجارية القادمة من الهند وباكستان! بل إن من المضحك وبعد أن يدفع المواطن هناك ثمن سيارة، يتم استلامها بعد بضعة شهور وبعد رفع السعر على ما تم الاتفاق عليه في بداية التعاقد! ولكن ومع هذا كله يستلمها مليئة بالأخطاء المصنعية، مثل خرير زيت ماكينة السيارة أو خراب الكوابح أو عدم صلاحية الجير للاستخدام!
لذلك دائما ما تكون تلك السيارات محلية الصنع عبارة عن أمراض متنقلة تنفث السموم في الشوارع، وتنشر الموت في ظل طرق من أسوأ الطرق في العالم وبالتالي انتشار الحوادث! وما يزيد الأمر سوءاً أكثر فأكثر أن المحروقات لاسيما البنزين غالبا ما تكون سيئة التصنيع ولا تراعي المعايير العالمية في تصنيعها مما يجعلها مسرطنة كما هو شائع في داخل تلك الجغرافية المسماة إيران!
علاوة على ذلك ورغم تحمل الشعوب ما لا يطيقه غيرهم من قهر واستبداد، انتشرت مؤخراً أنباء عن قرب انتشار مظاهرات جديدة في كافة أنحاء البلد، ولم تكن تلك الأنباء كاذبة، فما حدث في نهاية 2017 يُعاد بنفس السيناريو حيث تمكنت حينها من الاستمرار لقرابة عام كامل في مظاهرات وصل عددها لقرابة عشرة آلاف خلال عام 2018.

فما أشبه اليوم بالبارحة، فالمظاهرات بدأت وكأنها تبشر بعام جديد مليء بالمظاهرات والاقتتال الداخلي للتخلص من جحيم نظام الملالي.
وحتى الامطار التي عادة ما تكون غيثاً أصبحت في إيران مصدر قلق ومشاكل لا نهاية لها،فما حدث هذا الشهر في مدينة الأحواز العربية وغيرها من مدن عربية أخرى، بعد موجة أمطار كان كارثياً حيث اختلطت مياه المجاري بمياه الشرب نتيجة عدم الاهتمام بشبكات الصرف وترك الأمور على عواهنها في مدينة تعتبر المركز الأساسي لثروة النفط مع المدن الاحوازية الأخرى مثل عبادان ومسجد سليمان وغيرها.

وغرقت الكثير من الشوارع بمياه الامطار ومنها مدينة المحمرة التي كانت عاصمة الاحواز ابان حكم اسرة الاميرة خزعل (اخر حكام الاحواز المستقلين لغاية عام 1925).
مدينة المحمرة التي كانت رمزاً للحياة الطبيعية الجميلة ومنارة للعلم، لاسيما مع انتشار النخيل في بساتينها ومزارعها، وتحولها في أواخر سنوات عهد الشيخ خزعل إلى مدينة بحرية عامرة، فبالإضافة لمينائها الاستراتيجي أضاف لها ولي عهد الشيخ خزعل وابنه الشيخ كاسب قناة حملت اسم ولي العهد لتجميل المدينة وجعل من الممكن استخدام السفن للتنقل بين اجزائها المختلفة، ولكن اختفت تلك القناة إبان عهد الملالي كجزء من مخططهم الاجرامي للقضاء على هذه المدينة الهامة حتى نهاية عهد الشاه محمد رضا بهلوي والتي كانت الميناء الأول للدولة لتزويد جغرافية ما يسمى إيران بمختلف البضائع، فجعلها ملالي طهران مدينة غارقة في الظلام والعتمة وتركوا حتى مخلفات الحرب العراقية الإيرانية تملأ شواطئ شط العرب المحاذي للمحمرة لكي لا ترى النور ولا تتحول لمركز تجاري واقتصادي مهم كما كانت منذ اكثر من 200 عام مضت!
ولم يكتف النظام بذلك ولكن قام تجار النظام بشراء المحاصيل الزراعية لاسيما مناطق الاحواز وبساتينه بالاف الاطنان وقاموا بتدمير نسب كبيرة منها حتى لا تنهار الأسعار المرتفعة! فالعراق الذي كان يستقبل مختلف البضائع الإيرانية لا سيما المحاصيل الزراعية توقف بشكل شبه كامل عن الاستيراد من إيران لاسيما الجنوب العراقي وقطع الطرق مما يعني هبوط أسعار السلع في إيران تلقائياً. ولكن أبى أولئك التجار الجشعين من جعل الشعوب ان تستريح ولو لفترة قصيرة وتنعم الشعوب بانخفاض الأسعار ولو بشكل مؤقت، بل عمد بعض التجار  الكبار أيضاً إلى حرق جزء من بضائعهم لمنع هبوط الأسعار لمختلف السلع التي يتاجرون بها داخل جغرافية إيران!
والجدير بالذكر، أن هذا النظام القمعي العدواني قام بتصفية أبنائه ومنهم رفسنجاني سنة 2018 الرئيس الأسبق والذي وضع المرشد الحالي في هذا المنصب ذو الصلاحيات المطلقة قبل 3 عقود من الزمن، حيث صرح خامنئي نفسه في جلسة بثت سنة 2018 بتصوير فيديو واضح، قائلاً في جلسه لمجلس الشورى سنة 1989: "اننا علينا ان نبكي دماً وليس دموعاً في حال تم مجرد التفكير في كوني أصلح لمنصب المرشد"! فلذلك هذا النظام بدأ يأكل نفسه. علماً بأن رفسنجاني اختار خامنئي لكونه غبياً حتى يتسن له السيطرة على مفاصل الدولة لاسيما تجارتها، وقد تم له ذلك بشكل شبه مطلق قبل اغتياله.

الشيء المهم هو أن كل ما حصل في السنوات الأخيرة طال كافة قطاعات الاعمال في الدولة وانهارت الكثير من الشركات وأغلقت الكثير من المصانع أبوابها، وطالت المعاناة كافة الشعوب في بوتقة إيران بما فيها الفرس حيث زاد الفقر لدرجات لم تصل لها هذه الجغرافية منذ الحرب العالمية الثانية، مما يدل على أن الأمور لن تتوقف عند حد معين، وتسير نحو المجهول ونحو الهاوية، لاسيما في ظل عنجهية نظام الملالي وتركيزه على استخدام القوة والبطش ضد أي معارضة له ومتسلحاً بالصين وروسيا والذين يعرفون كيف يستفيدون منهم مقابل الدعم الصوتي فقط في أغلب الأحيان.