أبناؤنا في الصدارة

لم يكن إعلان خبر فوز عدد من الطلاب والطالبات السعوديين المشاركين في مؤتمر آيسف للعلوم والهندسة 2022، خبراً مبهجاً فحسب، بل كان خبراً معبراً أبلغ تعبير عن نجاح خطط الدولة في دعم الموهوبين ورعايتهم، وعن اهتمام الأسر السعودية بمواهب أبنائها وبناتها واكتشاف ما لديهم من قدرات، بالتضامن مع جهود وزارة التعليم المقدّرة.

وفي هذا الصدد أتذكر بأنني كتبت قبل عدة سنوات أكثر من مقال حول هذه القضية، أعني قضية عدم بروز الموهوبين والمخترعين الذين يعتبرون النواة الأساسية لعلماء المستقبل، وتساءلت حينها عن السر وراء قلة عدد الموهوبين والعلماء في العصور الحالية، وما هو الدافع الذي جعل الأجيال السابقة تبرز في هذا الجانب، رغم قلة الجهود وضعف الإمكانيات مقارنةً بهذا العصر!

ومما لا شك فيه أن هناك سبباً رئيساً أدّى لظهور العلماء والموهوبين في الأجيال القديمة، وهو أنهم في ذلك الزمن كان جل تفكيرهم منصبّاً بشكل كبير على تطوير حياتهم وتسخير الموارد البسيطة الموجودة لديهم لهذا الهدف، في حين أن الملايين من الطلاب والطالبات حالياً، وحتى أولياء أمورهم لم يهتموا بهذا الأمر الاهتمام الكافي، واكتفوا بدور المستهلكين الذي لا تتجاوز أدوارهم مراقبة واستخدام ما صنعه العلماء السابقين.

ولهذا كان لا بد على الجهات المسؤولة وتحديداً الجهات التعليمية من مدارس وجامعات وكليات، أن يكون لها دور كبير في تغيير هذا الفكر المتوارث، وأن يكون من بين برامجها وفي مقدمتها الاهتمام بتطوير المهارات، واكتشاف المواهب، وتغيير الفكر الناتج عن توفر الاحتياجات والكماليات؛ وبالتالي العيش في دائرة قلة العزيمة ودنو الهمة وتواضع الأهداف، التي بلا شك تعتبر من أهم الأسباب في تراجع المجتمعات وتخلف الدول.

ولو أردنا المرور سريعاً على التخصصات التي حصد الطلاب والطالبات السعوديون جوائز فيها، لوجدناها تخصصات ذات أهمية كبرى، وهي مؤشرات إيجابية على ظهور جيل مبشر يستحق الاهتمام والدعم، والتخصصات التي نال طلابنا فيها جوائز هي: الطاقة، الكيمياء، الهندسة البيئية، علوم النبات، العلوم الاجتماعية، علم المواد، علوم الأرض والبيئة، العلوم الطبية، وكل تلك التخصصات من العلوم الهامة التي تتطلب البحث والتركيز وتكثيف الجهود، حتى مرحلة الوصول إلى النتائج المرجوة والمخطط لها من قبل الباحثين والجهات الداعمة لهم.

وينبغي الإشارة هنا إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين "موهبة"، والتي دأبت على الاهتمام بالمواهب منذ تأسيسها وتقديم الدعم اللازم لهم، وتوفير البرامج والإمكانيات المساعدة لظهور مواهبهم ومهاراتهم وتسخيرها لخدمة الوطن، حيث أبرمت المؤسسة في عام 2007م اتفاقيةً مميزة مع جمعية ssp الأمريكية، التي تكرم الفائزين بجوائز نوعية في معرض إبداع للعلوم والهندسة، وتعنى بإبراز أبحاثهم ومجالاتهم في المعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF.

ومن المعلومات التي لا بد من الإشارة إليها في هذا الموضوع، هي أن عقل الإنسان ينمو ويتطور بحسب المعلومات التي تصل إليه، فعندما يبدأ الإنسان في الاهتمام به والتفكير بإيجابية ورغبة في تحقيق نتيجة معينة؛ فإن العقل يتكيف مع هذا التوجه، لذلك علينا أن نهتم بأبنائنا وبناتنا من مراحل طفولتهم الأولى، وأن نختار لهم من المعلومات والعلوم ما يسهم في تطور عقلياتهم وشخصياتهم؛ فهذا بلا شك دور رئيس لكل أسرة، وسبب مهم من أسباب ظهور الموهوبين والمبدعين في أبنائنا وبناتنا.