الهيئة الوطنية للمناهج التعليمية.. ضرورة وليست ترفاً

حينما اجتاح فيروس (الفدية) آلاف الأجهزة في حوالي مائة دولة حول العالم، زادت دول العالم إلى زيادة إجراءات حماية الفضاء المعلوماتي، وحينما هاجم فيروس (شمعون) المملكة ودول المنطقة عزمنا في بلدنا الحبيب على حماية أمننا المعلوماتي تم إنشاء هيئة متخصصة في الأمن السيبراني.

وصدر أمر ملكي كريم بإنشاء (الهيئة الوطنية للأمن السيبراني) ترتبط بخادم الحرمين الشريفين- أيده الله - تضم في مجلس إدارتها رئيس أمن الدولة ورئيس الاستخبارات العامة، بالإضافة إلى نائب وزير الداخلية ومساعد وزير الدفاع؛ على أن يكون رئيس مجلس إدارتها هو وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء.

ولم تكل الأمر إلى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات رغم أنها هي المسؤولة عن وسائل الاتصال في المملكة، كما لم تكل الأمر إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات رغم أن خدمة الإنترنت إحدى الخدمات التي تقوم بتنظيمها.

ولم تكتف دولتنا المباركة بالهيئة وحدها بل دربت الكوادر في كلية محمد بن سلمان للأمن السيبراني، أضف إلى ذلك الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز.

وبفضل الله استطاعت هيئة الأمن السيبراني أن تصد العديد من الهجمات الالكترونية عن بلادنا والمساهمة في حماية مكتسباتنا وثروتنا النفطية ومحطات الطاقة والكهرباء والبنية التحتية وقواعد المعلومات في المؤسسات الحكومية.

وإذا كان الهجوم السيبراني والالكتروني بهذه الخطورة التي استدعت قيام هيئة مستقلة وكلية واتحاد، واختيار نخبة من ذوي الشأن وأصحاب المعالي وأهل الاختصاص في أمن المعلومات وبعض القطاعات المعنية، فإن ذلك الأمر يستدعي التفكير في إنشاء هيئة متخصصة في أمن المعلومات العلمية المدرسية التي تغرس في عقول الأجيال وحمايتها من محاولة العبث والكتمان والزيادة والنقصان.

وإذا كان الأمن السيبراني هو أمن المعلومات على أجهزة وشبكات الحاسب الآلي، واستعادة للمعلومات الإلكترونية ونظم الاتصالات، فمن المنطقي أن يكون هناك أمن آخر ضد المعلومات التي تتسرب إلى الأدمغة البشرية.

وإذا كان هناك هيئة لصد الهجمات السيبرانية والاختراقات الالكترونية عن أجهزة صماء، فمن باب أولى أن يكون هناك هيئة لصد الاختراقات الفكرية والشبهات الدينية عن عقول حية وشباب غض ضاعت أعمار بعضهم في السجون أو في عمليات انتحارية سببتها أفكار اخترقت حاجز الصد الضعيف الذي بنته المناهج سابقاً .

وإذا كان الأمن السيبراني يساهم في حماية البنية التحتية للوطن؛ فإن البنية الفوقية التي هي منظومة الأفكار والمبادئ والقيم هي الأولى بالحماية ابتداءً، وهي الأهم.

وحتى لا أطيل فإن لدي العديد من المقترحات في هذا الشأن:

1- أن تتخصص وزارة التعليم بالأمور الإدارية والمالية الخاصة بالتعليم؛ وألا يوكل إليها صنع المقررات الدراسية والأنشطة اللاصفية؛ ويكتفى بدورها في الرقابة والمتابعة والإشراف على التدريس.

2- أن تتخصص شركة تطوير التعليم بالمنشآت والمباني والتجهيزات المدرسية والوسائل التعليمية وحافلات النقل فقط.

3- إنشاء هيئة متخصصة لتأليف المقررات المدرسية ومشاريع وبرامج الأنشطة اللاصفية؛ تضم نخبة من أهل العلم والاختصاص تسمى (الهيئة الوطنية لمناهج التعليم) ترتبط بخادم الحرمين الشريفين مباشرة، ويقوم عليها أحد أعضاء مجلس الوزراء، وتضم نواب من الوزارات: الداخلية و التعليم والشؤون الإسلامية والإعلام و العمل وعضوية متخصصين في الأمن الفكري والمناصحة، وفي المناهج وطرق التدريس، ونخبة من أصحاب الكفاءات، على أن تشرف عليها كبار العلماء ومجمع خادم الحرمين الشريفين للحديث؛ لمراجعة المواد العلمية والأحاديث والآثار الواردة في المناهج.

وهذا أمر أراه من الأمور الاستراتيجية الوطنية العليا؛ ومثلما لم نكل أمر حماية المعلومات إلى وزارة الاتصالات أو هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، فعلينا ألا نكل الأمر إلى وزارة التعليم ولا إلى شركة تطوير؛ فلقد أثبتت التجارب أن وزارة التعليم لم تستطع أن توفر المناعة الفكرية في المناهج ولا في الأنشطة أو البرامج التي أنفق عليها الملايين.

كما أثبت الواقع أن شركة تطوير مثقلة بأعباء المباني وحافلات النقل؛ ويكفيها عبء النقل وحل مشاكل سائقي حافلات النقل من قبل الشركات المشغلة حتى لا يحدث إضراب أو تجمعات لهم كما حدث سابقاً حينما تأخرت مستحقاتهم المالية، ويكفيها أننا نحملها مسؤولية توفير أحدث الحافلات المدرسية المطورة ذات الحساسات العالية حماية لأرواح الأطفال من الاختناق أو الدهس والذين نفجع بهم في كل عام مرة أو مرتين!

إننا لو طبقنا هذه المقترحات نكون قد شملنا التعليم برعاية كاملة وعناية فائقة؛ إدارياً ومالياً وبشرياً عبر وزارة التعليم، ومادياً من خلال شركة تطوير، وفكرياً عبر الهيئة الوطنية للأمن الفكري.

إن الأمن الفكري سلاح استراتيجي لا يقل أهمية عن الأمن السيبراني؛ بل ويفوقه. وإذا كانت السعودية دخلت عالم الحروب الرقمية بإنشاء هيئة للأمن السيبراني، فمن الموازي -حصانة للأجيال القادمة-، أن تكمل هذا العمل الجبار بإنشاء منصات مضادة للفكر المنحرف والمتطرف من خلال التعليم...والتعليم وحده.

أسأل الله العظيم أن ترى هذه الهيئة النور بقرار سياسي من لدن خادم الحرمين الشريفين الذي ما فتئ يحارب التطرف والانحلال وكل ما يفضي إلى الفوضى والإرهاب.