حليمة بن درويش – كاتبة وشاعرة ولها العديد من الإصدارات الأدبية
الثقافة والفنون البوّابة الأولى للذاكرة البشرية على مرّ العصور، وهي التي تحفظ للتاريخ وجهه الحقيقي، وهكذا يأتي الشعر في مقدّمة الفنون الإنسانية كتظاهرة ثقافية لها أبعادها المتعدّدة، كأبجدية مفصلية في تجليّات الكون والحياة.
في موسم الرياض 2024، نجد الشِّعر حاضراً بأمسيّاته ولياليه بجمالياته اللغوية ومعانيه التي تتجلّى في أبهى الصور، ويمكننا القول إن حضور الشعر في المهرجانات والفعاليات مكوّن أساسي من مكوّنات المنجز الثقافي المعرفي، فلم يعد الشعر حضوراً مترفاً كترفيه ماتع للذائقة، بل تجاوز ليكون حضوراً إنسانياً إبداعياً ومحرّكاً عالمياً وواجهة ثقافية حضارية، تعكس جمالية المَشهد في عيون المتلقي داخل المملكة وخارجها؛ كممارسة ثقافية تحمل نضجاً وعمقاً وطنياً وتفتح آفاقاً للتواصُل الإنساني على اختلاف الذائقة الجمالية والرؤيوية.
وتعدّ هذه النسخة استثنائية لما تحمله مِن تميّز وتجدّد وإبداع وتنويع بحضور الشعر وقائليه ومتذوِّقيه بكثافة، تثبت يوماً عن يوم بأنَّ الشعر هو البوح الأصيل بفضاءاته الرّحبة، معبّراً عن التجارب الإنسانية بلغة جمالية وبعمق المعنى الذي يمنحك شعوراً بالحكمة والفهم تارةً، وبالمتعة والهدوء والطمأنينة تارةً أخرى، ويثير فينا الشعر، ما يحرِّكنا ويدفعنا للتغيير نحو الأفضل.
وأستحضِر هنا عبارة للبروفيسور فيليب ديفيس، الذي يقول إن الدعوة إلى تفعيل الوعي الأدبي قد يكون لها تأثير كبير في تحدّي عقولنا، وبأنه إذا قرأ المزيد من الناس الشِّعر واعتادوا التفكير في المعنى؛ فسيحدُث ذلك فرقاً في قدرتهم على التفكير بمزيدٍ من اليقظة.
وهذا دلالة واضحة برأيي على قدرة الشعر في تطوير استراتيجيات تعزّز التفكير المنطقي والقدرات الإبداعية، وتساعد على جعل الناس أكثر قدرة على التعاطُف مع بعضِهم البعض ومشاركة القضايا الإنسانية وفَهم بعضهم البعض.