أعداء الرؤية بين التصنيف والإقصاء والتخوين

كان مقبولاً في ما مضى وإلى حدٍ ما صراع تيارين وطنيين هما التيار الصحوي وتيار الحداثة أو الليبرالية  مع سيطرة كبرى للتيار الصحوي على مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية من منظور ديني صرف لا يتناسب ومتطلبات الحياة وتطور الفقه المعاصر ومناورات حداثية متواضعة في مواجهة التيار الصحوي من منظور تحرري صرف إيضاً يدعو إلى الحرية والانفتاح على العالم والأخذ بمظاهر الحياة المعاصرة بكل ما فيها ؛ وقد أنتج لنا هذا الصراع ظاهرتي التصنيف والإقصاء في أبشع صورها حتى بلغت ذروتها في نهاية العقود الأربعة الأخيرة الماضية.

واليوم نعيش مرحلة وطنية مختلفة في كل شيء عنوانها ( وطن يجمعنا ) ووجود رؤية وطنية معلنة وصريحة وغير مسبوقة وذات مرتكزات ومحاور وأهداف عظيمة لكل المكونات الوطنية بلا استثناء للتحول نحو العالم الأول واستثمار القدرات الوطنية البشرية والتاريخية والتراثية والمادية .

والمؤسف والغريب أن ما أنتجته المرحلة الماضية من مظاهر التصنيف والإقصاء لم يتوقف في ضوء الحراك الوطني الهائل اقتصادياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً والنجاحات التي تحققها الرؤية يومياً ، بل زاد سوءاً بظهور مصطلح التخوين الوطني ؛ فأصبحنا نعاني وبشكل مخيف على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر من ظواهر التصنيف والإقصاء والتخوين ، وغياب ملموس للنخب الثقافية المتخصصة عن واقع الحياة الوطنية ومواجهة تلك التيارات المتطرفة .

على ضوء ذلك ؛ كيف نواجه هذا الواقع الذي قد يعرقل مسيرة رؤيتنا الوطنية وتحقيق أحلامنا وطموحاتنا والمستقبل الواعد لأجيالنا ؟ والحقيقة أن هناك العديد من الرؤى التي سنطرحها للإجابة على هذا التساؤل الوطني الكبير ؛ وسيبقى الباب مفتوحاً لطرح الرؤى والمقترحات التي يمكن أن تسهم في المحافظة على مكتسباتنا الوطنية .

أولها يجب على التيارات الوطنية وحتى الأشخاص المؤثرين في الساحة الإعلامية والمؤسسات التربوية على وجه الخصوص فهم رؤية القيادة لمستقبل الوطن وأهمها ما جاء على لسان خادم الحرمين الشريفين ؛ لا مكان بيننا لمتطرف يرى الإعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه.

ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال ؛ وهو ما يعني الوسطية في ممارساتنا الحياتية والعمل على تطوير مملكتنا الحبيبة في ضوء ثوابتها التي قامت عليها في أطوارها الثلاثة عبر التاريخ ؛ وفهم المضامين الدقيقة لغايات الرؤية الوطنية وأهدافها بحيادية وموضوعية وبروح وطنية .

والأمر الثاني يجب على المؤسسات التربوية الرسمية وغير الرسمية كالمدرسة والمجتمع والمسجد وحتى الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام إعادة تشكيل نفسها وتغيير سياساتها وأهدافها لتواكب هذه الرؤية بمناهج متطورة ومرنة وعصرية ووسائل تعليم وتعلم وإعلام حديثة تتبنى استنطاق مهارات التفكير العليا التحليلي والنقدي والإبداعي بعيداً عن النمط التقليدي المعتمد على التلقي والتلقين والحفظ والاسترجاع وبمعلمين وإعضاء تدريس وخطباء وإعلاميين مؤهلين لترجمة تلك الرؤية إلى وقع ممارس في بيئاتهم المختلفة .

والأمر الثالث يجب على مركز الحوار الوطني الخروج من برجه العاجي وقاعاته المغلقة ونخبه الخاصة وموضوعاته التقليدية إلى الساحات والميادين الوطنية في الجامعات والمدارس والمساجد والمهرجانات والتظاهرات الثقافية والنوادي الأدبية والصالونات الثقافية وحتى المقاهي والمطاعم والمنتزهات الوطنية بأساليب ووسائل حديثة ومختلفة وبمشاركة حقيقية من كافة شرائح المجتمع ، وليكن لنا مركز حوار في كل مدينة ومحافظة وقرية وهجرة ، وميثاق شرف حواري وطني لاحترام اختلافاتنا في وجهات النظر وتغليب المصالح الوطنية .

والأمر الرابع يجب على الجهات الرقابية المسؤولة إيقاف مظاهر التصنيف والإقصاء والتخوين عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها وحماية المجتمع من نفسه حتى لو لزم الأمر سن قوانين لحماية اللحمة الوطنية وإيجاد جهات رقابية وطنية غير تقليدية لمتابعة تلك التجاوزات واستثمار جهود المغردين السعوديين ووعيهم وولاءهم لوطنهم وقيادتهم في تعزيز الوحدة الوطنية .

وختاماً يجب على ممارسي التصنيف والإقصاء والتخوين أفراداً وجماعات من أي تيار وطني كان التوقف عن هذه الممارسات والتركيز على القواسم الوطنية المشتركة التي تسهم في حفظ كياننا الوطني وإدراك أن أخطر مهددات الوحدة الوطنية هو التصنيف والإقصاء والتشكيك في الوطنية لأي مواطن ؛ والإيمان بأن الوطن قادر على استيعابنا جميعاً في فضاآته الواسعة جغرافياً وثقافياً وحضاريا.