د. نافل العتيبي
دكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة مانشستر. مهتم بالكتابة والتأليف والترجمة في مجالات الاستراتيجيا والقيادة والأدب.
في علم الإحصاء والإحتمالات قاعدة تقول: معظم القیم تدور حول المتوسط الحسابي.
مثال، متوسط أطوال الناس (١٧٠) سنتيمتر تقریباً، ولذلك، تجد معظم الأطوال قریبة من ھذا الرقم تزید عنه أو تنقص قلیلاً، وأي طول یبتعد كثیراً عن ھذا الرقم یعتبر شاذاً وغیر مرغوب فيه، بل قد یجر على صاحبة بعض العناء، فالأبواب العادية قد تصبح معاناة للطویل وكذلك كبینة السیارة والملابس وسریر النوم وغیرھا.
الأمر یختلف بعض الشيء على میدان الحیاة الإجتماعیة، لأن كل إنسان لديه رغبة في البروز والتفوق على أقرانه، لا یسلم من ھذا الحال أحد. كذلك، تجد الناس یساعدون الضعیف غالباً ویحاولون كبح جماح القوي.
أعتقد ان تفسیر ھذه الظاھرة مرتبط بفكرة المتوسط الحسابي، فكل مجتمع له متوسط بشكل عام، ومن یبتعد عن المتوسط إلى الأعلى سیعاني ولو كان ابتعاده في أمر محمود، فاذا كان المحیطین بك مستواھم المادي أو العلمي او الوظیفي اكبر من مستواك فانھم سیكونون عوناً لك على الارتقاء والتقدم لأنك بالنسبة لھم أقل من المتوسط ولا خطر على مكانتھم من رفعك، أما إذا كنت أبرزھم فسیعملون على الحد من بروزك بشتى الوسائل ولو اقتضى الأمر أن یجاھروا بمعاداتك والكید لك.
الأفراد الممیزون أمامھم مھمتان رئیسیتان – في رأیي – الأولى، على الصعید الشخصي وھي المحافظة على النمو والتقدم وعدم الإنشغال بأي اھتمامات جانبیة لا تضیف لتفوقھم شیئاً، مع التواضع وتجاوز الاستدراجات الرخیصة بمھارة (قد لا تنجح دائماً، لكن یجب إبقاءھا حاضرة في الذھن).
المھمة الثانیة، على صعید المجتمع الذي یتواجدون فيه، وھي تشجیع أي نجاح أو بذور تفوق تلوح في الأفق والحرص على مساعدة من ُیظھر الرغبة الواضحة في الرقي.
تشمل المساعدة كل شيء بد ًء بالكلمة الطیبة والتشجیع المعنوي ونقل الخبرات وانتهاءً بالشفاعة والسعي لتذلیل العقبات التي تعترض طریقھم، بمساعدة الآخرین على النجاح تحصل فوائد كثیرة، أھمھا، رفع مستوى متوسط المجتمع بحیث یتعایش أفراده في ظل علاقات أفضل.
مھمتنا إذن تشمل رفع المتوسط ولیس تحقیق نجاحات فردیة فقط.
كل مجتمع محدد، یحاول تجمیع الناس حول متوسطة عن طریق تشجیع الضعفاء وتثبیط الأقویاء، لكن العلاقة تختلف بمجرد أن تتجاوز النجاحات مستوى معین ویصبح ھذا المتفوق خارج نطاق السیطرة، حیث يتجه أفراد المجتمع الى التفكیر في تحصیل مكاسب من وراء تفوق
ھذا الشخص حتى ولو كانت المكاسب معنویة فقط.یبدأ الناس یتجمعون حول ھذا الضوء ویقتبسون من الھالة المحیطة به ویتزاید عدد الاتباع والمحبین بحسب طبیعة التعامل، فإذا وجدوا حسن استقبال وبذل للعلم او المال او الشفاعة تكاثروا حتى یضیق بھم ویضیقون به، وإذا وجدوا سوء المعاملة ذھب عنه من لھم كرامة وبقي حوله
مجموعات لحوحة في تحصیل مصالحھا.أخیراً، میادین التفوق عدیدة، منھا، التفوق الوظیفي وفوائده محدودة بفترة البقاء في الوظیفة أو المنصب في حین أن التفوق في مجالات العلم والتجارة تبقى مع صاحبھا حتى یموت او یفقد قدرته على التفكیر وتصریف الأمور.