عندما ترغب الثدييات البحرية في النوم، لا يمكنها فقط إغلاق أعينها والانجراف بعيدًا في الليل، لأنها تحتاج إلى الصعود إلى السطح بشكل منتظم للحصول على الهواء. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكنها ببساطة العوم على سطح الماء والنوم، حيث يمكن أن تتعرض للهجوم من قبل الحيوانات المفترسة وفقدان الحرارة. فكيف يمكن لها الحصول على الراحة دون تعريض أنفسها للمخاطر؟
أحد الحلول تكمن في تقنية نصف الدماغ المستيقظ التي يمكن للثدييات البحرية، مثل الدلافين، الحصول فيها على قسط من الراحة أثناء وجودها في المياه المفتوحة، وفق موقع “livescience“.
ووفقًا لباتريك ميلر، عالم الأحياء في جامعة سانت أندروز في المملكة المتحدة، فإن “تقنية نصف الدماغ ذات أهمية كبيرة لهذه الحيوانات، حيث تسمح لها بالحفاظ على مستوى منخفض من النشاط بينما لا يزال نصف الدماغ الآخر في حالة اليقظة”.
الدلافين هي أحد أفضل الثدييات البحرية التي تمت دراستها، والتي تستطيع تبني هذا النمط من النوم. تشير الفحوصات التي أُجريت على الدلافين الأسيرة إلى أنه أثناء النوم، يكون أحد نصفي دماغها في حالة من النوم العميق بطيء الموجة، في حين يظل النصف الآخر منتبهًا، ما يسمح لهذه الحيوانات بالنوم مع البقاء على عين واحدة في حالة استيقاظ. وهذا النمط من النوم شائع في الحيتانيات – مجموعة الثدييات التي تشمل الدلافين والحيتان وخنازير البحر – ولكنه ليس فريدًا بالنسبة لها. بل إن العديد من أنواع الطيور أيضًا تستخدم هذا النمط من النوم، مما يتيح لها النوم أثناء الطيران.
يقول “ميلر”: “تستخدم الطيور والدلافين تقنية نصف الدماغ المستيقظ لأغراض مختلفة. على سبيل المثال، في سرب من الطيور، فإن العديد منها يبقي عيونه موجهة بعيدًا عن القطيع مفتوحة أثناء النوم؛ لمراقبة الحيوانات المفترسة. بينما تفضل الدلافين أثناء النوم إبقاء عين واحدة مفتوحة تجاه بقية السرب، لتجنب الانفصال والتعرض للمخاطر”.
ويضيف: “من الصعب حقًا قياس أنشطة الدماغ للحيوانات في البحر التي لا يمكن التقاطها، مثل الحوت العنبر أو الحوت الأزرق أو الحوت الأحدب.. في هذه الحالة، فإن السجلات السلوكية تُعتبر أفضل مؤشر لسلوك النوم”.
وفي الحالات التي يكون فيها غير ممكن وضع علامات على الحيوانات لمراقبة سلوكها، يتم تقييم سلوكها بشكل مباشر. على سبيل المثال، في دراسة أُجريت عام 2008 بقيادة ميلر، استُخدمت علامات شفط متصلة بحيتان العنبر لإظهار أنها تنام في المحيط المفتوح لفترات قصيرة. إذ لوحظ أنها تبطئ سرعة السباحة حتى تتوقف، وتنطلق بكسل للأعلى. ويُعتقد أن سبب ارتفاعها يعود إلى الزيت الطافي، المعروف باسم spermaceti، في رؤوسها.
وأثناء فترة النوم، يمكن رؤية أجسام كاملة من الحيتان تحت سطح المحيط. خلال هذا الوقت، تكون الحيوانات غير مستجيبة تمامًا، مما يشير إلى دخولها في مرحلة عميقة من النوم. ومع ذلك، يمكن لهذه الحيوانات أن تبقى تحت الماء لمدة تصل إلى 20 دقيقة فقط قبل الحاجة إلى العودة للسطح للتنفس. وبمجرد أن تلتقط أنفاسها، يمكن للحيتان العودة للهبوط تحت السطح للحصول على المزيد من الراحة، وقد تستمر هذه العملية لمدة تصل إلى 3.5 ساعة.
فقمات الفيل الشمالية أيضًا تنام بنمط نصف الدماغ المستيقظ، وتغوص في فترات نوم قصيرة مشابهة. وقد أظهرت دراسة أُجريت عام 2023 بقيادة جيسيكا كيندال بار، باحثة ما بعد الدكتوراه في معهد سكريبس لعلوم المحيطات التابع لجامعة كاليفورنيا، سان دييغو، أن فقمة الفيل تغوص إلى عمق يصل إلى 1000 قدم، وعند هذه النقطة تتباطأ أنشطة دماغها وتدخل في مرحلة نوم حركة العين السريعة. وبمجرد دخولها في هذه المرحلة، تقوم الفقمة بقلب نفسها رأسًا على عقب وتتحرك ببطء في دائرة أثناء النوم.
وبسبب خطر الهجوم، تحد فقمات الفيل الشمالية من إجمالي وقت نومها في البحر إلى حوالي ساعتين فقط في اليوم، مما يجعلها من بين الثدييات التي تنام لفترة قصيرة جدًا، وتتنافس مع الفيل الإفريقي الذي يحافظ على الرقم القياسي حاليًا بنحو ساعتين من النوم في اليوم.