أنت تقرأ كلماتي الآن مندهشا من العنوان، لكن ما فهمته هو الصواب بعينه، نعم، هي نفسها الأسئلة التي تدور برأسك سواء كنت لبنانيا أم لا؛ تدور برأسنا جميعا عند قراءة اسم سعد الحريري.
في نسيج التاريخ اللبناني الحديث، يبرز سعد كشخصية مثيرة للجدل. وسط حشد غفير من اللبنانيين الذين امتزجت مشاعرهم بين الحنين والأمل، وفي الذكرى التاسعة عشر لرحيل الشخصية اللبنانية البارزة، رفيق الحريري التي توافق 14 أكتوبر 2005، بهذه الأجواء المشحونة بالعواطف، خطا سعد الحريري، نجل الراحل، نحو المنصة، قائلا: “كل شي بوقته، سعد الحريري لا يترك الناس، أنا لن أترككم”، فما الذي يعنيه بعد 19 عاما من رحيل أبيه؟
الغريب أن تصريحات سعد تناقض بعضها، ففي ذكرى عام 2022، أعلن سعد الحريري الانسحاب من الحياة السياسية. فما الذي سيأتي في وقته، وما هو وقته، وهل سيأتي هذا “الشيء” وهو منسحب، أم أن حديثه بمثابة شبه إعلان بالعودة للحياة السياسية بهدف جس نبض الشارع اللبناني، وإذا كان الأمر كذلك، فأين كان سعد في السنوات الماضية، ما الذي حدث؟ أسئلة كثيرة تركها الحريري ببالنا جميعا.
الحريري الأب والابن، شخصيتان سياسيتان مختلفتان في طريقة التعاطي مع القضايا السياسية والاقتصادية، إلا أنهما شاركا في الهدف نفسه: بناء لبنان أفضل. في حين بنى الأب جسورًا من التحالفات السياسية وعالج التوترات بحزم، كان الابن أكثر حذرًا وتأنيًا في قراراته، محاولًا التنقل بين التحديات الداخلية والإقليمية بمنتهى الدقة.
كما أن الشخصيتان تنوعت ردود الفعل تجاههما، فالمشهد على وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان مليء بالانتقادات تجاه سعد، بل وصل الأمر إلى أن الكثيرون وصفوا تصريحاته وتعليق نشاطه السياسي بأنها أعذار لا أساس لها من الصحة، ووصفه البعض بـ”المغترب” الذي يجب أن يعود من حيث أتى، مؤكدين أنه لن يكون مثل والده رفيق الحريري.
شغل كل من رفيق الحريري وسعد الحريري منصب رئيس وزراء لبنان، متنقلين عبر المشهد السياسي والاقتصادي المتغير. كانت فترة رفيق الحريري من 1992 إلى 2004 مميزة بجهوده لإعادة بناء لبنان بعد الحرب الأهلية وإدارة التوترات الداخلية والإقليمية، جاذبًا الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.
أما فترة حكم سعد الحريري، التي امتدت من 2009 إلى 2011 ومن 2016 إلى 2020، ولفترة وجيزة في 2022 قبل اعتزاله السياسة، كانت تواجه تحديات مماثلة لكن ضمن سياق زمني وسياسي مختلف. بينما كان الأب معروفًا بقدرته على بناء التحالفات السياسية وتبني موقف متوسط وحازم تجاه القضايا، كان الابن يُظهر حذرًا أكبر، مراعيًا دائمًا التوترات الداخلية والإقليمية والدولية.
لا نريد أن نقسو على سعد؛ فهو لم يرث فقط اسم والده رفيق الحريري، بل ورث أيضًا إرثًا سياسيًا ثقيلاً ومسيرة مليئة بتحديات جمة تتمثل في الانقسامات الداخلية الحادة والضغوط الإقليمية والدولية. نتمنى أن يعود لبنان كما كان “سويسرا الشرق”، وهو الأمر الذي لن يحدث إلى على يد أبناءه المخلصين.