دكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة مانشستر. مهتم بالكتابة والتأليف والترجمة في مجالات الاستراتيجيا والقيادة والأدب.
إذا أمعنت النظر في حياة الناس بشكل عام، وجدتها عبارة عن أعداد لا نهائية من الدوائر الاجتماعية مختلفة الاهتمام ومختلفة الأقطار (قطر الدائرة يشير إلى عدد أفرادها)، ووجدت كل شخص يحلم أن يكون نجم دائرته، فمنهم من يصل لحلمه فيحققه، ومنهم من يكون دون ذلك، وكل دائرة لها رموز وأبطال، يحاول أفرادها الجدد أن يسيروا على نهجهم لينالوا من النجومية نصيبهم، فرجال الأعمال – مثلاً – ينظرون لاثرى أثرياء العالم فيحتقرون منجزاتهم وما بأيديهم من المال، ويعدون ذلك الرجل تحدياً كبيراً، يسعون للتفوق عليه، يحدث هذا بالتدريج، ذلك أن التاجر الذي يبدأ في سوق صغير، غاية طموحه في بداية حياته أن يكون أثرى أهل هذا السوق الصغير، فإذا حقق مايريد تسامى لهدف جديد، كأن يكون أثرى أهل المدينة، ثم أثرى أهل الدولة، ثم يتحول الى الحلم الإقليمي فالعالمي، وهكذا نجد أن الدائرة الاجتماعية تتسع كلما ارتقى صاحبها في مجاله، فمثله كمثل الذي يرتقي الجبل كلما صعد انكشف له المزيد من الآفاق البعيدة.
المشكلة اذا كان الشخص يعيش في مجموعة من الدوائر المختلفة ويحلم بأن يكون نجمها كلها، مع أنه محدود العمر والطاقة، ففي هذه الحال لن يذهب بعيداً لأن جهوده تتشتت بين عدة أهداف فهو يريد أن يبز أقرانه في مجال الرياضة، ويتفوق على زملائه في الدراسة، وينجح في إدارة أعماله التجارية، وكلما قابل شخصاً جديداً تمنى أن ينافسه في مجاله، كيف يتسنى لمثل هذا الإنسان أن ينجح في أي دائرة من الدوائر التي يعمل في محيطها؟
إن تركيز الجهد على النجاح في دائرة واحدة، واحدة فقط، يعتبر أهم أسباب النجاح وتحقيق النجومية على الاطلاق، كما أن بعثرة الجهود بين عدة أهداف ضمان لعدم إتقانها بالطريقة المأمولة، فأي فرد في هذه الحياة، يستطيع بالكثير من الجهد، أن يحافظ على تواجده – لاحظ أنه تواجد فقط – في جميع الدوائر التي يهتم بها، لكنه لن يحصل على البروز والنجومية التي يطمح إليها في أيٌ من تلك الدوائر، ومن أمعن النظر في سير العظماء، وجدهم يبرزون في مجال واحد فقط، ذلك المجال هو سبب عظمتهم، وبقية نجاحاتهم تأتي تبعٌ له.
من طبائع الامور، أن الكم في علاقة عكسية دائماً مع الكيف، فإذا ركزنا الجهد على أحدهما، ضعف الجانب الآخر، ولا سبيل إلى الجمع بينهما، إلا إذا توفر لنا فترة لانهائية من الوقت، أو طاقة لانهائية، وتوفر أيٌ منهما – كما تعلمون – مستحيل، فطاقة الإنسان محدودة، وعمره محدود، وينبغي صرفة بكياسة، في النشاطات ذات الاولوية، أي في دائرة الاهتمام الأقرب الى نفسه، هذا إذا أردنا النجاح الباهر في مجال ما، وقد يكون هو الفارق الجوهري بين من يحققون النجومية في مجالاتهم، وبين من يكابدون طوال حياتهم في مجالات شتى، ولا يحصلون على شيء من النجاح الذي يؤملونه.