أعمارنا التي تُسرق منا!

إعلامية ومدربة في التشافي الذاتي، بدأت الصحافة عام 1985 وحصلت على ثلاث جوائز دولية في الإعلام

فاصلة:
“سيكتب التاريخ أن أكبر مأساة في فترة التغير الاجتماعي هذه لم تكن الضجة القاسية للناس السيئين، ولكن الصمت المروع للناس الطيبين”.
– مارتن لوثر كينغ الابن

ماذا فعل بنا إدمان مواقع التواصل الاجتماعي؟

لن يجيب على هذا السؤال أي مدمن لها، لأنه لم يجرب الانقطاع عنها، تماما كما لو أنك مدمن على أي شيء حتى لو كان طعام محدد، بعد ان تنقطع عنه ستلاحظ أثر ذلك على معدتك وربما شعرك وجلدك وبشرتك.
في عام 2023م غادرتُ جميع مجموعات الواتس اب لأشهر، وكانت هي الفترة التي استطعت فيها أن أتعرف على الله كما هو وليس كما برمجتنا موروثات الترهيب ،واستطعت أن أتخذ أهم القرارات في حياتي سواء في فلترة علاقاتي أو حتى في ادواتي الشخصية التي استخدمها في تعاملي مع البشر.
وعندما عدت إلى بعض برامج التواصل الاجتماعي، وجدتني اكثر قدرة على التحكم في سلوكي حيث امتنعت عن الجدال، وكذلك عن ارسال أي مشاركة دون أن أسال نفسي ما الهدف منها فان كان للحكم المسبق على الناس او انتقادهم فلا داعي لتلويث روحي.
انت لا تعلم أي خطر تعيشه وانت منجرف في متابعة برنامج مثل التيك توك او السناب او الانستغرام او حتى مجموعات الواتس اب، مع ان الكثير من المشاهير والإعلاميين يحذرون من ادمان هذه البرامج لكن المستهلكين في ازدياد ، والإشكالية ان هذه البرامج أصبحت منصات للتعبير عن الرأي فكيف تمنع الناس ان يعبروا عن آرائهم !!
لكن هذه المواقع للأسف كشفت عورة المجتمعات الإنسانية جميعها بلا استثناء، لم يعد الانسان يحترم خصوصيته او خصوصية الآخرين، أصبح المتلقي مستهلكاً لكل ما يعرض عليه ولا يملك حرية الانتقاء بسهولة .
والكارثة انه هناك ما لا يقل عن 60% من اجمالي سكان العالم مستخدمين لها حسب مقال نشره موقع قناة CNN بالعربية في ابريل 2023.
كإعلاميين تبدو لنا الصورة أكثر اسوداداً مما هي عليه فالصحافة الصفراء التي طالما حاربها الشرفاء منا أصبحت سيدة الموقف، كما ان هذه المواقع واجهتنا كإعلاميين مع قصور ادواتنا القديمة لجذب الجمهور فأصبح الكثير منا يراقب المشهد في تأمل للمشهد.
لم يعد الإعلامي هو ناقل الخبر ولا محلله ولا هو من يكتب القصة الصحافية ، الجميع يفعل ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون قواعد او اخلاقيات، والكارثة أنه حسب مركز بيو “”PEWللأبحاث فإن الأصغر سناً يمثلون الأغلبية حوالي 90% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم مابين 18 و 29 عاماً يستخدمون شكلاً واحداً على الأقل من وسائل التواصل الاجتماعي فكيف لمجتمعات ان تنهض ومن يشكل الرأي العام شباب مستهلكين لوسائل اعلام فوضوية!!
ومع كل هذه المخاطر ، فان متابعة هذه المواقع دون ادمان يتضمن إيجابيات لأصحاب المشاريع وتحسين الذات الشخصية والمهنية ، ولذلك اكدت في حديثي عن الإدمان وليس الاستخدام المتوازن.
والمقالات التحذيرية تقدم حلولاً لعلاج الإدمان على متابعة مواقع التواصل الاجتماعي او أساليب للحد من الوقت الذي تسرقه من يومنا ومن حياتنا ، لكن الأكيد أن قوانين الكون التي من سماتها التغيير وعدم الثبات سوف تقول كلمتها تجاه ما نعيشه من ثورة في سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على حياتنا ، فتسرقها دون أن نشعر أننا لا نعيشها.