الرياض 
22°C
بعد مرور خمسين عامًا على عصر برنامج أبولو، لا تزال الحكومات الكبرى والشركات الخاصة الممولة بشكل جيد، تواجه صعوبات في تنفيذ بعثات الهبوط على سطح القمر. فلماذا يبقى الهبوط على سطح القمر في عام 2024 أمرًا صعبًا للغاية؟
في يوم الخميس 22 فبراير، انطلقت مركبة فضائية بحجم كشك الهاتف تدعى “أوديسيوس” في رحلتها التاريخية. وعندما وصلت إلى القطب الجنوبي للقمر في تمام الساعة 6:23 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، أصبحت “أوديسيوس”، التي صنعتها شركة Intuitive Machines ومقرها هيوستن، أول مركبة فضائية أمريكية تهبط على سطح القمر منذ أكثر من خمسين عامًا، وأول مركبة فضائية خاصة تصل إلى هذا الإنجاز.
ومع ذلك، لم يكن هذا الهبوط الناجح بدون عيوب؛ فبعد عدة أيام من الهبوط، أصبح واضحًا أن “أوديسيوس” قد كسرت إحدى أرجلها الستة أثناء الهبوط، مما أدى إلى سقوطها على جانبها. ونظرًا للحصول على طاقة محدودة من الخلايا الشمسية للمركبة، تم إيقافها من قبل المهندسين، وربما بشكل دائم، في 29 فبراير.
تضيف هذه التحديات التي واجهت “أوديسيوس” إلى الصورة العامة لصعوبات الهبوط على سطح القمر، حيث انتهت خمس محاولات من بين تسع محاولات سابقة للهبوط بشكل خاطئ لمختلف الدول والشركات الخاصة.
وقبل أسابيع قليلة، في 19 يناير، نجحت المركبة الفضائية اليابانية “سمارت لاندر” في تنفيذ أول هبوط ناجح على سطح القمر في البلاد، لكنها واجهت مشاكل تقنية أدت إلى وضعها بشكل عكسي على القمر بسبب عطل في المحرك أثناء الهبوط. وواجهت الخلايا الشمسية للمركبة توجهًا خاطئًا وفشلت في تشغيل الأدوات والاتصالات، مما دفع المهندسين إلى إيقافها خوفًا من نفاد البطارية.
وقبل عشرة أيام فقط من هبوط “سمارت لاندر”، واجهت مركبة هبوط أمريكية خاصة على سطح القمر تسمى “بيريغرين” مجموعة من المشاكل بعد الإطلاق، بما في ذلك تسرب الوقود الذي منع هبوطها على سطح القمر، وتم تغيير مسارها في النهاية لتصطدم بالغلاف الجوي للأرض. وبالمثل، انتهت محاولات الهبوط الأخرى التي قامت بها اليابان وروسيا في عام 2023 بحوادث كارثية، هذه المرة على سطح القمر نفسه.
وإلى الآن، نجحت وكالات الفضاء الممولة من الحكومات في خمس دول فقط في الهبوط على سطح القمر: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق والصين والهند واليابان. وحققت شركة خاصة واحدة فقط (Intuitive Machines) النجاح، وفشلت العديد من المهام البارزة بسبب مواطن الخلل التقني التي أدت إلى أحكام قاتلة للسرعة والارتفاع والاتجاه.
هذا يشكل تذكيرًا صارخًا بأنه حتى بعد نصف قرن منذ سير رواد الفضاء في برنامج أبولو على سطح القمر، لا يزال الوصول إلى أقرب جار لنا في الفضاء مهمة صعبة وخطيرة.
“لم نصبح أغبياء منذ هبوط أبولو”؛ يقول البروفيسور كسابا بالوتاي، أستاذ الفيزياء وعلوم الفضاء في معهد فلوريدا للتكنولوجيا في ملبورن، في تصريحات لموقع “Live Science“، الذي يضيف: “التكنولوجيا أفضل بكثير اليوم، حيث يحمل هاتفك المحمول قدرة حسابية أكبر من أجهزة الكمبيوتر في سبعينيات القرن العشرين. ولكن منذ السبعينيات، لم تكن هناك مهام فضائية بالحجم الذي يمكن للبشر التدخل فيه لتصحيح ما لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر القيام به أو معالجته”، ويضيف بالوتاي.
ووفق بالوتاي، فإن الهبوط على سطح القمر لا يزال تحديًا كبيرًا، سواء كانت هناك طواقم بشرية أو لا. والعقبة الرئيسية تكمن في عدم وجود غلاف جوي يحيط بالقمر، مما يجعل من الصعب استخدام المظلات لتباطؤ المركبات الفضائية. وبدلاً من ذلك، يتعين على البعثات الاعتماد على أنظمة الدفع بالوقود للهبوط، مما يجعل من التحكم في الهبوط بشكل دقيق أمرًا معقدًا.
وعلى الرغم من أن برنامج أبولو نجح في النهاية في هبوط الإنسان على سطح القمر، إلا أنه كان جزءًا من برنامج كبير فشل عدة مرات قبل أن يحقق النجاح. وكانت المحاولات المبكرة لإطلاق مركبات فضائية إلى القمر مليئة بالتحديات، بما في ذلك الانفجارات بعد الإطلاق والأعطال في أنظمة التوجيه، والأخطاء الفادحة في نشر الألواح الشمسية. وحتى مهمة أبولو 11 التاريخية، التي هبط فيها رواد الفضاء نيل أرمسترونغ وباز ألدرين على سطح القمر، واجهت نقصًا في الوقود ومشاكل غير متوقعة قبل الهبوط.
“يميل الناس إلى نسيان فشل تلك المهام كجزء من عملية التعلم”؛ يقول جاك بيرنز، مدير شبكة الاستكشاف وعلوم الفضاء التي تمولها ناسا في جامعة كولورادو بولدر.
ويعكس ما ذكره جاك بيرنز وغيره من الخبراء حقيقة أن رحلات الفضاء إلى القمر، على الرغم من تحدياتها، ليست مستحيلة وأن الإنسان يمكنه تحقيقها مع تقدم التكنولوجيا والمعرفة. فعلى الرغم من أن هناك صعوبات في تحقيق الهبوط على سطح القمر، فإن هذه الصعوبات ليست خارج نطاق الإمكان، وقد أظهرت الجهود التجريبية الأخيرة أن هناك تقدمًا يحدث في هذا المجال.
وتحتاج البعثات إلى تمويل كافٍ لتقديم الدعم الضروري ولتخفيف المخاطر وزيادة فرص النجاح. ومع تطور التكنولوجيا وتقدم الصناعة، من الممكن تقليص التكاليف وجعل الرحلات الفضائية إلى القمر أكثر تحملًا ماليًا.
وبالمثل، يشير هذا إلى أهمية تواجد جيل جديد من المهندسين والمختصين في صناعة الفضاء، حيث يجلبون معهم خبرات جديدة وتقنيات حديثة قد تساعد في تغلب على التحديات الفنية التي تواجه البعثات الفضائية. وبشكل عام، يعد الهبوط على سطح القمر تحديًا تقنيًا وهندسيًا كبيرًا، لكن الجهود المتواصلة والتطور التكنولوجي يجعلانها مهمة قابلة للتحقيق.
