في الوقت الذي تعيش فيه أوكرانيا أسوأ حالاتها، عسكريًا واقتصاديًا وأمنيًا، في حربها مع روسيا، بدأ الصراع بين الجانبين يأخذ منحنى آخر، سواء في حدود المعركة أو خارج حدودها، حتى وصل إلى عمق القارة الأفريقية.
كانت شبكة “سي إن إن” الأمريكية قد رجّحت، في تقرير بثته في سبتمبر الماضي، وجود “قوات أوكرانية خاصة نفّذت سلسلة من الهجمات باستخدام طائرات مسيّرة، إضافة إلى عملية برية في السودان وعدد من دول القرن الأفريقي حيث ينشط الوجود الروسي”.
يقول الباحث السوداني في الشؤون الدولية والإقليمية، الزاكي زكريا، إن “الصراعات الدولية بين القوى الكبرى بدأت تتشعّب بشكل كبير في الساحة العالمية، وبالأخص الأفريقية، فنجد تدخلا قويا لتلك القوى ليس في السودان فقط، بل في دول مثل الصومال والتشاد وليبيا ومالي، التي عانت أيضا من تلك التدخلات على مدار السنوات الماضية”.
وفيما يخص الحديث عن الوجود الجديد للقوات الأوكرانية التي تعيش خسائر ميدانيًا شرقًا وغربًا داخل حدودها أمام روسيا، يُشير الزاكي زكريا، في حديث خاص لـ”الوئام”، إلى “اعتراف كييف رسميا عبر وسائل إعلامها بوجود قواتها في السودان وتنفيذ عمليات نوعية لأحد طرفَي الصراع عبر المسيرات”.
ويوضّح الباحث السوداني في الشؤون الدولية والإقليمية أن “الاعتراف تخطّى حدود الإعلام ليصل إلى القيادات العسكرية الأوكرانية التي أكّدت وجودها في السودان وعدد من بلدان القرن الأفريقي، لصد أي تغلغل روسي في تلك المناطق، وكنوع من أنواع نقل المعارك لخارج الحدود وتهديد النفوذ”.
ويتابع الزاكي زكريا: “بخلاف ذلك، صدرت عن بعض المسؤولين والمحللين الأوكران خلال الأيام القليلة الماضية، بعض التصريحات التي تؤكّد بشكل مباشر وغير مباشر، كل المعلومات والتقارير التي تم تداولها في وسائل الإعلام خلال يناير وفبراير الماضيين”.
كان النائب في البرلمان الأوكراني، أليكسي جونشارينكو، قد أكد، في حوار مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، الجمعة الماضية، كل المعلومات التي تم تداولها عن وجود قوات أوكرانية في السودان، واستعداد كييف للقتال مع واشنطن في أي بقعة من العالم، في إشارة غير مباشرة لاستخدام واشنطن للقوات الأوكرانية كـ”مرتزقة” للقتال في أفريقيا.
في تلك الزاوية، يقول المحلل السياسي والعسكري الليبي، محمد الترهوني، إن “واشنطن تسير وفق خطة استراتيجية لتعزيز نفوذها في المنطقة واستخدام المرتزقة الأوكران لتحقيق مصالحها في القارة الأفريقية دون تدخّل مباشر منها، فالولايات المتحدة قدّمت على مدار العامين الكثير من المساعدات العسكرية إلى كييف، لكن دون جدوى أمام روسيا، مما جعلها تفكّر في استثمار ذلك الدعم خارج حدود أوكرانيا لخدمة نفوذها”.
يُذكر أن القيادة الأوكرانية كانت قد قدّمت مشروع قانون للبرلمان، لتنفيذ تعبئة عامة لـ500 ألف جندي، لتغطية حاجتها في الجبهة الروسية، وهنا يؤكّد الترهوني، في حديث خاص لـ”الوئام”، أن “كييف تبحث عن أي نصر خارجي بعد أن فشلت في تحقيقه داخل أراضيها”.
وتشهد القارة الأفريقية، خاصّة السودان والصومال وليبيا وتشاد ومالي، صراعات بين قوى عظمى، تحمل في طيّاتها أطماعا اقتصادية وعسكرية واستراتيجية، نظرا لما تمتلكه تلك الدول من ثروات باطنية وموارد طبيعية وموقع استراتيجي مهم.
وطالب المحلل السياسي، محمد الترهوني، بضرورة الانصياع تحت مظلات الاتحاد الأفريقي والعربي لحل عاجل لأزمات القارة الأمنية، بالأخص أزمة ليبيا والسودان التي أثّرت على محيطها بالكامل، وذلك في ظل الانشغال الدولي بالأزمة الفلسطينية.