الباحث الفلسطيني والمحاضر في كلية الجليل بالناصرة والمتخصص في الشأن الدولي
تستمر محادثات القاهرة بحضور ممثلين عن أطراف إقليمية ودولية لإبرام اتفاق هدنة، تمهيدا لتسوية سياسية للأزمة في قطاع غزة، في ظل حرب إسرائيلية مستمرّة منذ 7 أكتوبر الماضي دون توقّف، خلّفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والنازحين.
النازحون إلى مدينة رفح يُواجهون وضعا إنسانيا كارثيا، مع وجود مخاوف من اقتحام المدينة من قِبل القوات الإسرائيلية، وذلك بالتزامُن مع فشل كل الجهود لوقف إطلاق النار وإقرار هدنة طويلة الأمد في الأراضي الفلسطينية.
المَشهد معقَّد ومليء بالتشابكات والتعقيدات الإقليمية والدولية التي أثّرت بشكل كبير على مسار التفاوض والتسويات في فلسطين، وبصرف النظر عن مساعي الأطراف الإقليمية، السعودية وقطر ومصر، ونوايا “حماس” وإسرائيل، إلا أن المَشهد تحكمه تطوّرات العمل العسكري، وما يُمكن أن تحققه حكومة إسرائيل على الأرض، كما أن إسرائيل تسعى إلى فرض أمر واقع حيال كامل القطاع، وهي حتى هذا الوقت لم تنجح إلا في بعض الجُزئيات، لكنها لن تنجح في فرض سياسة الأمر الواقع.
إقرار الهدنة بات مطلبا لكل الأطراف، وبات ضروريا التوصّل لوقف إطلاق النار وإفساح المجال للخدمات الإنسانية بإطلاق يدها في عموم فلسطين، لكن إسرائيل تصر على أهدافها، و”حماس” في المقابل تصر أيضا على مطالبها.
اقتحام رفح بريا تحكمه عدة معطيات؛ أولها ماذا بعد رفح؟ وما هي النوايا الإسرائيلية حيال ذلك، لا سيما أنّ إسرائيل تدرك أن اقتحام رفح قد يُسبّب لها خسائر بشرية ومادية كبيرة، وهذا الأمر أيضا مرتبط بالمجتمع الإسرائيلي، وما سينتج عن ذلك من زيادة الضغوط الشعبية على نتنياهو، فهل سيعمد الأخير على تجاوز هذا الأمر عسكريا ويقتحم رفح؟
ثاني هذه المعطيات، أنه من المعلوم أن النوايا الإسرائيلية حيال اقتحام رفح تحكمها أيضا عدة معطيات نفسية موجّهة ضد الفصائل الفلسطينية، وبذات الإطار موجّهة للشارع الفلسطيني عموما لزيادة الضغوط عليه وإحداث شرخٍ بين الشعب الفلسطيني والفصائل، وبين هذا وذاك، فإن إسرائيل ستعمل على استغلال الأمرين للوصول إلى صفقة سياسية يتم من خلالها إطلاق سراح الأسرى.
الولايات المتحدة وحدها القادرة على وقف إسرائيل عن اقتحام مدينة رفح، لذا يجب أن يتجاوز ضغط بايدن على تل أبيب الكلمات الصارمة والمحادثات الغاضبة المسرّبة، خاصةً أن الحرب في غزة وصلت إلى منعطفها الأكثر أهمية، حيث أصبح واحدا من أسوأ السيناريوهات احتمالا حقيقيا، وهو المتعلّق بالتهديد الإسرائيلي بالتحرك نحو رفح، وبالتالي بات يتعيَّن على الولايات المتحدة ممارسة درجة من الضغط على إسرائيل، تردّدت كثيرا في تطبيقها حتى الآن.