أحمد غنام
منذ اللحظة التي تحدث فيها الأمير محمد بن سلمان عن فكرة إنشاء المقرات الإقليمية للشركات في المملكة العربية السعودية؛ عرفت أن المملكة تتجه نحو منحنى جديد في الاقتصاد، فتلك الفكرة لا تصدر إلا من عقل ليس فقط يعرف كيف تقتنص الفرص، بل كيف يصنعها. لماذا أقول ذلك؟ لأن تلك الفكرة، التي أصبحت واقعا، لن تساهم فقط في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط وتعزيز وخلق قطاعات جديدة وفرص عمل لا متناهية؛ بل تساهم أيضا في جذب المواهب للمملكة، ونقل المعرفة لمجتمع الأعمال السعودي، وتقديم مزيد من الدعم للابتكار وتعزيز التجارة.
شهدت بداية عام 2024 بشائر تنفيذ هذا القرار، إذ أعلنت شركات عملاقة مثل PepsiCo وBoeing وPwC وUnilever وEli Lilly من بين 350 شركة عالمية تنفيذها للقرار ما بين تقديمها لطلبات أو الحصول بالفعل على تراخيص المقر الإقليمي، مدفوعة باستثماراتها القائمة وتعاملاتها مع المملكة، وفقًا لوزارة الاستثمار السعودية، بينما هناك شركات أخرى، خاصة في القطاع المالي، مثل سيتي بنك، ودويتشه بنك، وجولدمان ساكس، وإتش إس بي سي، ننتظرها في الطريق، إلا أنها تواجه بعض التحديات التي تعمل المملكة على تسهيلها.
وتستهدف قواعد إنشاء مقر إقليمي (RHQ)، الشركات التي لا تدر الأرباح بشكل مباشر، وهي قاعدة شبه متبعة في معظم المقرات الإقليمية، بهدف التركيز على التنسيق بين مكاتب الشركة، ومنع تضارب المصالح، وضمان الشفافية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، ومنع التهرب الضريبي. وبينما تحمل المقرات الإقليمية تلك المزايا عبر قواعدها التنظيمية، إلا أن تلك القواعد قد تخلق بعض التحديات مثل المساهمة في دعم العملاء وجذب المواهب وهي إحدى الأهداف الرئيسية لإنشاء تلك المقرات الإقليمية، كما أنها قد تكون بمثابة عراقيل أمام شركات الخدمات مثل المحاماة والعلاقات العامة، أو الشركات المالية مثل البنوك والمصارف الكبرى.
ولحلحلة تلك العراقيل؛ أجرت وزارة الاستثمار بالفعل مناقشات مع شركات القطاع المالي لتطوير حلول ملائمة، حيث تسعى لتنسيق وتعزيز إطار عملها. لقد شهدنا بالفعل مؤسسات مالية بارزة، مثل نورثرن ترست، تبدأ في إنشاء مقرات إقليمية. الوزارة تؤكد أن الهدف ليس فقط الامتثال لمرسوم الشركات الإقليمية في السعودية، بل أيضًا تحفيز الشركات على النمو والتطور وخلق قيمة داخل المملكة، التي تعتبر أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتحتل المرتبة الثامنة عشر عالميًا من حيث حجم الاقتصاد. كما أعلنت الوزارة أنها “تجري مناقشات نهائية مع عدة كيانات مالية أخرى” للقيام بمبادرات مماثلة.
لكن إذا رغبنا في تشجيع الشركات المالية مثل سيتي بنك، ودويتشه بنك، وجولدمان ساكس، وإتش إس بي سي، وغيرها، يجب أن نعمل على توفر إطارٍ ماليٍ تنظيميٍ واضح للحصول على ثقة تلك الشركات، فعلى سبيل المثال، يبرز مركز دبي المالي الدولي كمركز مصرفي خارجي له إطاره التنظيمي الخاص، بعكس منطقة الملك عبد الله المالية في الرياض، وهو الأمر الذي يجب على وزارتي الاستثمار والمالية الانتباه له، بدلا من الاعتماد على البنك المركزي السعودي وهيئة أسواق رأس المال التابعة له في تنظيم عناصر ذلك القطاع الواعد.
الموقف الاقتصادي السعودي قوي، وأبرز دليل على ذلك مواصلة القطاع غير النفطي السعودي نموه للعام الثالث على التوالي ليسجل 4.4 % خلال عام 2023، وإذا أردنا أن نمتثل للتعويل عليه ليكون قاطرة الاقتصاد ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، فإننا يجب أن ننتبه للإطارات التنظيمية التي تدفع الشركات الكبرى لتعظيم هذا النمو.