معضلة قانونية وأخرى جماهيرية.. ماذا قالت الصحافة العالمية عن حظر تيك توك في الولايات المتحدة؟

قبل أقل من أسبوع، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يطلب من مالك TikTok صاحب شركة ByteDance بيع منصة التواصل الاجتماعي أو مواجهة حظر كامل في الولايات المتحدة.

وقد انتقل هذا التشريع إلى مجلس الشيوخ، حيث لا يزال احتمال تمريره غير مؤكد. ولكن مع وجود دعم ساحق في مجلس النواب – صوت 352 عضوًا في الكونجرس لصالح مشروع القانون وصوت 65 فقط ضده – من الواضح أن TikTok يواجه أكبر تهديد وجودي له حتى الآن في الولايات المتحدة.

هذا الأمر تفاعلت معه الصحافة العالمية، فناقشت دوافعه ومآلاته.

أحدث هجوم على تيك توك

وقالت صحيفة “الجارديان” البريطانية، إن مشروع القانون الذي تم تمريره في مجلس النواب يوم الأربعاء هو أحدث هجوم في معركة سياسية مستمرة حول المنصة الصينية، التي انفجرت شعبيتها بعد ظهورها في عام 2017. وسرعان ما تجاوزت Facebook وInstagram وSnapchat وYouTube في التنزيلات في عام 2018، وأبلغت عن زيادة بنسبة 45% في المستخدمين النشطين شهريًا بين يوليو 2020 ويوليو 2022.

وقد أثار الصعود الصاروخي للمنصة قلق بعض المشرعين الأمريكيين، الذين يعتقدون أن الشركة الأم لـ TikTok ومقرها الصين، يمكنها جمع بيانات المستخدم الحساسة وفرض رقابة على المحتوى الذي يتعارض مع الحكومة الصينية.

وصرحت TikTok مرارًا أنها لم ولن تشارك بيانات المستخدمين الأمريكيين مع الحكومة الصينية، لكن مخاوف المشرعين تفاقمت بسبب التحقيقات الإخبارية التي أظهرت أن الموظفين المقيمين في الصين في ByteDance قد وصلوا إلى بيانات غير عامة حول مستخدمي TikTok الأمريكيين.

وجادلت TikTok بأن بيانات المستخدم الأمريكية لا يتم الاحتفاظ بها في الصين ولكن في سنغافورة والولايات المتحدة، حيث يتم توجيهها من خلال البنية التحتية السحابية التي تديرها شركة Oracle، وهي شركة أمريكية. وفي عام 2023، افتتحت TikTok مركز بيانات في أيرلندا حيث تتعامل مع بيانات مواطني الاتحاد الأوروبي.

الاستدعاء أمام الكونغرس والاتهام

ولم تكن هذه الإجراءات كافية للعديد من المشرعين الأمريكيين، وفق الصحيفة البريطانية؛ ففي مارس 2023، تم استدعاء الرئيس التنفيذي لشركة TikTok، شو زي تشيو، أمام الكونغرس، حيث واجه أكثر من خمس ساعات من الاستجواب المكثف حول هذه الممارسات وغيرها. وسأل المشرعون تشيو عن جنسيته، متهمين إياه بالولاء للصين. مع أنه سنغافوري.

وقد تم طرح جهود مختلفة لمراقبة TikTok وكيفية تفاعلها مع بيانات المستخدمين الأمريكيين في الكونغرس في العام الماضي، وبلغت ذروتها في مشروع القانون الذي تم تمريره يوم الأربعاء الماضي بشأن البيع أو الحظر.

أرفعوا أيديكم عن “تيك توك”

وفي مقال رأي نشره موقع “USA Today“، ألقت الكاتبة إنغريد جاك الضوء على عدد من الجوانب المثيرة للقلق في هذا التشريع الأخير، والذي قالت إنه تمت صياغته بطريقة غامضة، بما يعطي الإدارة الحالية بقيادة الرئيس بايدن، وكذلك الإدارات المستقبلية، سلطة واسعة لتقييد تطبيقات أخرى لها صلات بالصين أو تمتلكها. وهو أمر يثير قلقًا لدى كل من الجمهوريين والديمقراطيين بسبب الآثار المحتملة على الأمن القومي الأمريكي، كما تقول الكاتبة، نظرًا لأن TikTok، الذي تملكه شركة ByteDance الصينية، يحظى بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة ويؤثر بشكل كبير في المجتمع الرقمي.

ويجد هذا التشريع نفسه تحت تحديات قانونية محتملة بناءً على الأمثلة التاريخية لمحاولات مماثلة في الماضي، كما تقول الكاتبة التي تشير أيضًا إلى ردود الفعل المتباينة التي أثارتها هذه القضية، فتقول إنه على سبيل المثال، عارض الرئيس السابق دونالد ترامب (المعروف بعدائه للصين) هذا التشريع بينما يؤيده الرئيس الحالي جو بايدن. وهذه مواقف متباينة تظهر تعقيد القضية والتحديات السياسية التي تثيرها.

وتنصح “جاك” الحكومة بأن تتخذ نهجًا حذرًا في التدخل في تحديد التطبيقات “المقبولة”، وبدلًا من ذلك تقوم بدورها في توعية المواطنين بالمخاطر المحتملة والسماح لهم باتخاذ القرارات الخاصة بهم. لأن النهج الحالي يعكس قلقًا عميقًا حيال الحفاظ على حقوق الحريات الرقمية وحرية التعبير.

حملة إلكترونية لوقف حظر تيك توك

وقد تفاعلت مع هذا التخوف الذي لفتت إليه الصحفية إنغريد جاك مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF)، التي أطلقت الإثنين حملة تحث الناس على “إخبار الكونغرس بوقف حظر TikTok”، وفق ما نقلته صحيفة “إندبندنت“.

وقد نصت صفحة الحملة على موقع EFF: “بدلًا من منح الرئيس سلطة حظر منصات التواصل الاجتماعي بأكملها بناء على بلدهم الأصلي، يجب على ممثلينا التركيز على ما يهم – حماية بياناتنا بغض النظر عمن يجمعها.. يستخدم مئات الملايين من الأشخاص TikTok للتعبير عن أنفسهم عبر الإنترنت، وهو أداة مفيدة لبناء المجتمع، ومحاسبة من هم في السلطة… يجب وقف مشروع القانون هذا”.

وجمعت TikTok أكثر من 170 مليون مستخدم في الولايات المتحدة منذ إطلاقها قبل ست سنوات، على الرغم من اتهام الشركة الأم ByteDance ومقرها الصين بإساءة التعامل مع بيانات المستخدم وممارسة الكثير من التأثير على الأمريكيين.

وقد ركزت “إندبندنت” على رد الفعل الصيني على مشروع القرار الأمريكي، حيث رد الرئيس التنفيذي لشركة TikTok على مشروع القانون من خلال الادعاء بأن أكثر من 300 ألف وظيفة في الولايات المتحدة ستتعرض للخطر بسبب هذا الحظر المحتمل، بينما تأخذ أيضًا “مليارات الدولارات من جيوب المبدعين والشركات الصغيرة”.

وكذلك انتقدت الصين مشروع القانون، حيث تعهدت بكين باتخاذ “الإجراءات اللازمة” لحماية مصالحها، على الرغم من حظر التطبيقات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها مثل إنستغرام وسناب شات ويوتيوب في البلاد.

معضلة قانونية أمام القضاة

وقد تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن أهمية التقاضي في مثل هذه القضايا القانونية المعقدة. وقالت إنه من المهم أن نلاحظ أن الولايات المتحدة تمر بمرحلة تحديات جديدة في مجال الحقوق الرقمية وحماية الأمن القومي، حيث تواجه التشريعات الجديدة والقضايا القانونية المتعلقة بمنصات الإنترنت والتطبيقات الرقمية انتقادات جماهيرية كبيرة.

وأوضحت الصحيفة أن هذه القضايا تمس جوهر الحريات الدستورية، مثل حق حرية التعبير المكفول في الدستور الأمريكي، والتي تشكل جزءًا أساسيًا من تاريخ وقيم الولايات المتحدة. ومن هنا تكمن مشكلة التشريع الجديد الذي يسعى إلى حماية الأمن القومي ومنع التأثيرات السلبية على الأمن الرقمي للبلاد.

وقالت الصحيفة إن القضاة سيكون لديهم دور هام في التقاضي والنظر في هذه القضايا، وعليهم أن يوازنوا بين الأهداف المتعارضة للحفاظ على الأمان الوطني وحقوق الفرد في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.

هل هذا القانون يحظر تيك توك حقًا؟

بموجب مشروع القانون الجديد، سيكون أمام الشركة الأم المالكة 165 يومًا للتخلي عن TikTok، مما يعني أنه سيتعين عليها بيع منصة التواصل الاجتماعي لشركة غير مقرها في الصين. إذا لم يحدث ذلك، ستمنع متاجر التطبيقات بما في ذلك Apple App Store وGoogle Play قانونًا من استضافة TikTok أو تقديم خدمات استضافة الويب للتطبيقات التي تسيطر عليها ByteDance.

ويجادل مؤلفو مشروع القانون بأنه لا يشكل حظرًا، لأنه يمنح ByteDance الفرصة لبيع TikTok وتجنب حظره في الولايات المتحدة.

“يمكن أن يعيش TikTok ويمكن للناس أن يفعلوا ما يريدون عليه بشرط أن يكون هناك هذا الفصل”، قال النائب مايك غالاغر في مجلس النواب. وأضاف: “إنه ليس حظرًا – فكر في هذا على أنه عملية جراحية مصممة لإزالة الورم وبالتالي إنقاذ المريض في هذه العملية”.

إلا أن TikTok تُجادل بخلاف ذلك، مشيرة إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الصين ستوافق على البيع أو أنها يمكن أن تكمل عملية البيع في غضون ستة أشهر.

وقالت شركة “تيك توك”، في بيان، إن الحكومة الأمريكية “تحاول تجريد 170 مليون أمريكي من حقهم الدستوري في حرية التعبير.. سيؤدي ذلك إلى الإضرار بملايين الشركات، وحرمان الفنانين من الجمهور، وتدمير سُبل عيش عدد لا يحصى من المبدعين في جميع أنحاء البلاد”.