شهدت هايتي تحولًا جذريًا بعد أن كانت أول دولة مستقلة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إلا أن صعود العصابات بها قادها إلى الفوضى والفقر، حتى تحكم أكثر من 200 عصابة في مصير شعب بأكمله لتحكم تلك البلاد بالحديد والنار.
وتعرضت هايتي لعدة كوارث طبيعية، بما في ذلك زلزالين مدمرين في عامي 2010 و2021، مما زاد من تعقيدات الوضع الصعب الذي تمر به البلاد، بالإضافة إلى ذلك، تفاقمت الأزمة مع انتشار سيطرة العصابات على العاصمة بورت أو برنس، وبلغت ذروتها مع عملية فرار جماعي لأكثر من 4700 سجين في 3 مارس 2024.
وأدى هذا الوضع إلى حالة من الفوضى والعنف المسلح في العاصمة وعدة مدن أخرى في البلاد، مما أثر سلبًا على استقرارها وأمنها.
بعد أن كانت هايتي أغنى مستعمرة في الأمريكيتين، أصبحت الآن أفقر دولة في نصف الكرة الغربية، حيث يعيش أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر المحدد من قبل البنك الدولي، وتزداد التحديات الاقتصادية والاجتماعية يومًا بعد يوم، مما يجعل الوضع في هايتي يتطلب اهتماماً عاجلاً وحلولًا فورية لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
فالاضطرابات السياسية الحالية في هايتي ليست مفاجئة، بل تندرج ضمن سياق تاريخي عميق وتحولات سياسية معقدة أدت في النهاية إلى سيطرة العصابات على أجهزة الدولة بشكل كبير وتدهور الأمن في عدة مناطق، فمنذ استقلالها عن فرنسا، تعرضت عملية التنمية في هايتي للعديد من التحديات نتيجة تدخل القوى الأجنبية والمخالفات السياسية الداخلية والكوارث الطبيعية وعدم الاستقرار الاجتماعي والأوبئة.
ومنذ عام 2019، لم تجر هايتي أي انتخابات، مما أدى إلى فراغ في السلطة وعدم وجود مسؤولين منتخبين ديمقراطيًا، وبعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويز في يوليو 2021، تولى آرييل هنري رئاسة الوزراء ولكن تعرضت إدارته للاتهامات بالفساد وعدم الشرعية، مما أدى إلى استقالته في مارس 2024 وتشكيل مجلس رئاسي انتقالي.
واستفادت العصابات من هذه الفوضى السياسية، حيث باتت تسيطر على معظم أجزاء العاصمة بورت أو برنس، مما يعزز من تعقيدات الوضع الأمني ويزيد من تهديدات العنف والفوضى في البلاد.
كما أن تداعيات الفقر وعدم المساواة تعد من العوامل الرئيسية التي أدت إلى ظهور العصابات في هايتي، حيث تُعتبر البلاد واحدة من أفقر الدول في نصف الكرة الغربية، مما يترتب عليه ارتفاع مستويات البطالة وقلة الوصول إلى الخدمات الأساسية، ونتيجة لذلك، يلجأ العديد من الشباب، خاصةً في المجتمعات المهمشة، إلى الانضمام إلى العصابات كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.
وظهرت العصابات في هايتي مع الانقلاب الفاشل الذي وقع في عام 1958، حيث بدأ ظهورها تقريباً في عام 1964 عندما شكل حاكم البلاد السابق، بابا دوك دوفالييه، مليشيا شخصية لفرض سيطرته على البلاد.
ومنذ ذلك الحين، ومع انعدام الاستقرار السياسي والفشل في استعادة النظام الديمقراطي، أقامت الفصائل السياسية العلاقات مع الجماعات المحلية غير المشروعة، مما زاد من نفوذ العصابات وانتشارها في البلاد.
وتشير تقارير رسمية إلى أن أكثر من 8400 شخصاً وقعوا ضحية لعنف العصابات في هايتي عام 2023، بزيادة قدرها 122% عن عام 2022، مما يظهر تصاعد المخاطر التي تشكلها العصابات على السلم والأمن العام في البلاد.
ووثقت تقارير أممية، اجتياح العصابات لبعض القرى في هايتي مما أدى إلى إعدام السكان المحليين، واستخدام العنف الجنسي ضد النساء وحتى الأطفال الصغار.
وأكد فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان مقتل نحو 4 آلاف شخص شخصا قتلوا في جميع أنحاء هايتي، وإصابة 1432 آخرون، واختطاف 1832 شخصا في أعمال عنف مرتبطة بالعصابات هذا العام.
وخلال الآونة القليلة الماضية فر أكثر من 53 ألف شخص بسبب عنف العصابات في هايتي.
وأصبحت العصابات قوة مؤثرة في هايتي، حيث تسيطر على مختلف جوانب المجتمع وتقوض سيادة القانون، وتفرض سلطتها بحكم الأمر الواقع في العديد من المناطق، وذلك بسبب الضعف الشديد للأجهزة الأمنية مقارنة بقوة وتجهيزات العصابات التي تموَّل نشاطها بمبالغ طائلة من خلال دفع الفدية والدعم الذي تتلقاه من بعض الأثرياء لحماية مصالحهم.
وتسيطر العصابات، وخاصة التحالفان الرئيسيان G9 وGpèp، على أكثر من 80% من العاصمة بورت أو برنس، وتمارس أعمال العنف والحصار والابتزاز.
وترتبط الشرطة الوطنية الهايتية بتلك العصابات، مما يعقد الجهود المبذولة لاستعادة النظام، مما يؤدي إلى آثار كارثية على السكان المدنيين وتفاقم أزمة النازحين.
كما يُعزى تمويل العصابات بشكل كبير إلى التدفق غير المشروع للأسلحة، الذي يأتي بشكل أساسي من الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى تمكينها مالياً ولوجستياً وتفاقم العنف في البلاد.200 عصابة تحكم هايتي بالحديد والنار
وغالبًا ما تستخدم الفصائل السياسية العصابات لقمع المعارضة وبسط سيطرتها، وذلك في مقابل دعمها وتسهيل عملياتها في بعض الأحيان، مما يزيد من تعقيدات الوضع السياسي والأمني في البلاد.