طرق العودة الأكثر أمنًا في السودان

أمل أبو القاسم – المحللة السياسية السودانية ورئيس تحرير موقع “عزة برس”

الشغل الشاغل للخرطوم هذه الفترة هو ترتيبات العودة الآمنة للمواطنين الذين شرّدتهم الحرب نزوحاً أو لجوءاً، وتدأب فعلياً في ذلك على كل المحاور الخدمية، بترميم ومعالجة ما دمّرته الحرب، هذا إلى جانب عودة نوافذ الخدمات الشرطية التي غابت طيلة الفترة السابقة لعدة دواعٍ، بيد أن نوافذ خدمات الجمهور من سجل مدني وجوازات وغيرها، عادت باكراً بعد استعادة البيانات كافة، ولعل ذلك كان بمثابة وثبة ونقطة ضوء، في ظل عتمة ألقت بظلالها على كل شيء.

الحديث عن عودة آمنة، لا بد أن تتوفّر معه قواعد الأمن التي تأتي مختلفة في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، لا سيما أن المجالس كثيراً ما تتحدّث عن أنه حتى وإن انتهت الحرب؛ فالبلاد لن تسلم تماماً كون الجيوب كثيرة.

والجيوب هذه ليست حصراً في بقايا المتمرّدين الذين وبلا شك سيندس بعضهم في البيوت كمدنيين، بل هنالك أيضاً مَن تعاون معهم؛ سواء بالمشاركة في الحرب أو الإرشاد أو مشاركتهم السرقة بشكل أو آخر.

وكشفت هذه الحرب عن أناس جيران وصحبة فوجئ مسامروهم وصحبهم أنهم يتبعون “الدعم السريع”، وليس أدلّ على ذلك من الصور التي تم تداولها لعددٍ من أئمة مساجد بالعاصمة الخرطوم، كانوا يلقون الخطب ويمشون بين الناس بالحسنى كما يبدون، ثمّ سرعان ما انقلبوا عليهم، وباغتوهم برفع البنادق الآلية في وجههم، ولا عجب من ذلك، وقد سبقهم قائد المتمردين وحاشيته وهم ينقلبون على جيرانهم الذين شاركوهم الملح، كما تشاركوا معهم الأفراح.

لذا وحتى تكون العودة آمنة من ناحية أمنية، فبدايةً لا بد من إعادة صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات العامة كاملة، والأصوات الآن تتعالى هنا وهناك تنادي بذلك، فمنذ أن حجمت صلاحياته وانحصرت في جمع المعلومات، لم تذق البلاد عافية أمن.

والآن باتت الحاجة ملحّة لذلك، لا سيما بعد انجلاء المعركة للمساهمة في إجلاء غبارها، صحيح أن كل أفراد جهاز الأمن ينخرطون الآن في المعركة، بلا توصيف مؤسسي أو هيكلي، لكن لا بد مما ليس منه بد، ويبدو فعلياً أن الأمور تمضي في طريقها الصحيح، وقد صدر قرار بإعادة اللواء معاش “أحمد علي عوض الكريم” مديراً لهيئة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة.

إلى جانب الجهاز، لا بد من دور فاعل وطموح للشرطة والمباحث، فكلا الجهازيْن يحتاج الفترة المقبلة بقوة إلى تطهير الأحياء من المندسّين، مواطنين ومتمردين.

يجب القبض على الخلايا النائمة من المواطنين أولاً، فهم أكثر خطورة بعد الحرب، ومثلما هناك مرشدون خونة، بالمقابل ستجدون هناك من الشرفاء من يرشد عنهم، لا سيما أن الغبن الذي لازم النفوس كفيل بتحريك هؤلاء للتبليغ عمّن طعنوهم في ظهرهم وسامّوهم الذل والهوان، وفجعوهم في شرفهم وفي أرواح ذويهم، ثمّ شردوهم في المنافي.

وحتى تكون العودة أكثر أمناً، لا بد من تطبيق ما سبق من النقاط، فتداعيات الحرب أسوأ من خوضها.