تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية دون توقّف للشهر السابع على التوالي، وسط معاناة للفلسطينيين من نقص الغذاء والدواء واستمرار القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على قطاع غزة، ووسط القتال، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن الولايات المتحدة بدأت بناء رصيف بحري في غزة لزيادة وصول المساعدات إلى القطاع الفلسطيني المحاصر، فهل يكون بمثابة “ورقة إنقاذ” للفلسطينيين؟ وهل له أهداف أخرى غير تقديم المساعدات؟
يقول الدكتور حسن مرهج، الباحث الفلسطيني والمحاضر في كلية الجليل بالناصرة: “لا بد مِن التوضيح بأن إسرائيل هي مَن طالبت أولاً بإنشاء وبناء هذا الرصيف، الذي سيستقبل المساعدات الإنسانية الدولية التي تصل إلى ميناء قبرص وعبره إلى الرصيف البحري، المزمع إنشاؤه في غزة، لكن نلاحظ أن إسرائيل ترفض كل المطالب والضغوطات الدولية للسماح بحرية دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر المعابر البرية التي تسيطر عليها حكومة إسرائيل، بما فيها معبر رفح”.
ويضيف حسن مرهج، في حديث خاص لـ”الوئام”: “الأمر المؤكّد أن هذا الرصيف لن ولم يتم إنشاؤه لدواعٍ إنسانية تتعلق بالمحاصرين في غزة، وكان بإمكان الولايات المتحدة إجبار إسرائيل على وقف الحرب لاعتبارات إنسانية، بل يمكن أيضا للولايات المتحدة إجبار إسرائيل على فتح المعابر البرية للقطاع، لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سكانه المدنيين، وعدم انتظار سكان القطاع شهرين آخرين إلى أن يتم إنشاء الرصيف البحري، فالأمر الأكيد أن الرصيف لا يتعلّق بمساعدة الفلسطينيين، بل ثمّة مصالح إسرائيلية أمريكية، التقت فيها مصالح الطرفين من خلال إنشاء الرصيف البحري في غزة.
ويوضّح الأكاديمي الفلسطيني: “إسرائيلياً، مِن الواضح أن إسرائيل تسعى إلى تهجير سكان القطاع عبر هذا الرصيف المؤقت، وترجمة ذلك يمكن الاستدلال عليها من خلال نظرة على القطاع؛ فالحرب والقصف قضيا على كل مظاهر الحياة في القطاع، وبعد انتهاء الحرب لن يكون هناك أي مقوّمات للحياة في القطاع، إلا إذا حدث تدخل أممي وتعهدات بإعادة إعمار القطاع، لكن في الواقع الحالي، فإنّ التطورات تشي بعملية تهجير الفلسطينيين من القطاع، وهي خطة تم الحديث عنها مطولاً من قبل الساسة الإسرائيليين، وحتى صانع القرار الإسرائيلي ألمح إلى تلك النوايا”.
ويؤكّد حسن مرهج: “على جانب آخر، قد يعمل هذا الرصيف كميناء في حالات الطوارئ، لا سيما حال تعطّل العمل بميناء حيفا الاستراتيجي، وهذا الأمر قد يحدث إن دخلت إسرائيل في حرب مفتوحة مع حزب الله، وعليه سيعمل رصيف غزة كميناء مؤقت لإسرائيل؛ ومِن الممكن أن يسهم في استمرار تدفق البضائع والمساعدات لإسرائيل في حالة الحرب”.
ويرى المحاضر في كلية الجليل بالناصرة: “مِن المحتمل أن يكون هناك ارتباط بين هذا الرصيف بحق غاز غزة، ضمن ترتيبات أمنية واقتصادية بين إسرائيل ودول المنطقة، وحتما لن يكون للفلسطينيين دور فيه، كون غزة تم إفراغها من أهلها، وأحكمت السيطرة الأمنية الإسرائيلية عليها”.
مشروع الأحلام
يواصل حسن مرهج حديثه قائلاً: “الأمر الأهم في كل ما سبق، أن بناء رصيف بحري في غزة، له ارتباط بـ”مشروع الأحلام”، عبر شق طريق مائي، قناة بن جوريون، وتكون بديلة لقناة السويس، وما سيصاحبه من إنشاء شبكة طرق برية للتجارة الدولية، تربط دول المنطقة بإسرائيل بالعالم، ورأس هرم هذا المشروع رصيف غزة البحري المؤقّت، ولاحظنا خلال الحرب الأخيرة الطرق البرية من دول الخليج إلى إسرائيل”.
ويُكمل الباحث حديثه: “على الجانب الأمريكي، فإن بناء رصيف بحري في غزة سيكون بمثابة رسالة لمواجهة مشروعات الصين وروسيا وحلفائهما في المنطقة، كمبادرة “الحزام والطريق”، التي تسير بتقدم بطيء وصمت، فالرصيف الذي يدّعون أنه مؤقت، سنكتشف لاحقاً أنه ضمن خطة سياسية، اقتصادية، استعمارية جديدة، أكبر بكثير مما يتم الترويج له”.
ويستطرد حسن مرهج: “إذًا مِن خلال ما سبق، ثمة مشروعات أمريكية إسرائيلية من خلال إنشاء هذا الرصيف، وهي مشروعات تتعلق بعموم المنطقة، وليس إطلاقاً لمساعدة الشعب الفلسطيني”.