خاص – الوئام
نزحت مئات الأسر السودانية من سكان منطقة جبل موية بولاية سنار جنوب شرقي البلاد، بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها؛ كما وصفت لجنة الإنقاذ الدولية ما يجري في البلاد بـ”السقوط الحر”، وحذرت من أن الأزمة الإنسانية ستتفاقم أكثر ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حازمة لمعالجة الوضع الذي مزقته الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
لم تكن الحرب وحدها وراء أزمات السودان الحالية، بل تحركات القوى الدولية زادت من مشاكل البلاد الأفريقية، حسب الخبراء والمحللين خلال حديثهم لـ”الوئام”.
المصالح الأمريكية
شهدت السنوات الأخيرة أزمات سياسية وأمنية متتالية في أفريقيا، لعل أبرزها، حسب الباحث في الشؤون الأفريقية الدكتور أحمد عبدالله، ما حدث بين إثيوبيا ودول الجوار، وبشكل خاص السودان والصومال ومصر، ولعل السبب الرئيسي وراء تلك الأزمات هو الطموحات غير المحدودة للقيادة الإثيوبية بالوصول لمنفذ بحري، يعزز الحركة التجارية لهذا البلد الأفريقي.
ويقول الدكتور أحمد عبدالله، في حديث خاص لـ”الوئام”، إن المصالح الإثيوبية لاقت في الشرق الأفريقي غايتها لدى الإدارة الأمريكية، وهذا ما اتضح من التحركات الأخيرة، خصوصا التوترات التي حدثت في الفشقة مع السودان.
ويرى الباحث في الشؤون الأفريقية أن المخاوف الأمريكية تصاعدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، بسبب التقارب الكبير بين مجلس السيادة وروسيا، واحتمال حصول الأخيرة على قاعدة عسكرية على البحر الأحمر؛ كما أن واشنطن تشعر بالقلق من خسارة نفوذها في السودان، في حال تحالف البرهان مع الروس.
ويؤكد عبدالله أن تراجع قوة رئيس الحكومة السودانية الأسبق، عبدالله حمدوك، لعدة مرات بإحداث تغيير سياسي في المشهد السوداني بما يناسب المصالح الأمريكية، إلى جانب توجه الجيش السوداني بقيادته شرقا للتحالف مع موسكو، دفعا بواشنطن للتفكير بخطة لإزاحة البرهان عن المشهد والدفع بشخصية أخرى لسدة الحكم تمثل مصالح واشنطن.
ويُضيف عبدالله أن هدف إثيوبيا الحالي هو اعتراف واشنطن بانفصال إقليم أرض الصومال، الذي يحتل موقعا استراتيجيا مهما جدا والذي لطالما سعت أديس أبابا لانفصاله، بهدف السيطرة عليه والحصول على ميناء زويلع الصومالي المهم جدا، وبالتالي منفذ بحري لها.
في سياق متصل، تداولت بعض وسائل الإعلام معلومات وصورا جوية لوصول عدد من طائرات الشحن الإثيوبية إلى قاعدة “أم جرس” الجوية شمال تشاد، محملة بالعتاد والذخيرة والأسلحة المتفرقة، تمهيدا لنقلها إلى قوات الدعم السريع في السودان.
من جهته، اتهم الممثل الخاص للسودان لدى الأمم المتحدة، تشاد، بالتوسط والمساعدة في تقديم السلاح والذخيرة لقوات “الدعم السريع”.
جدير بالذكر أن الفريق أول ياسر العطا، نائب القائد العام للجيش، في أواخر العام الماضي 2023، كان قد اتهم تشاد بتزويد “الدعم السريع” بالأسلحة والذخيرة عبر مطارها، ما فتح الباب أمام تصعيد دبلوماسي كبير بين البلدين، تمثل في تبادل إبعاد الدبلوماسيين بينهما.
وحينها رفض السودان طلبا تشاديا بالاعتذار عن تلك التصريحات، مؤكدا على لسان وزير الخارجية المكلف، علي الصادق، تسليم تشاد صورا وأدلة، التقطت خلال تصوير جوي وعبر الأقمار الاصطناعية، تُثبت ما ذهب إليه.
كما اتهم السفير الصومالي لدى الأمم المتحدة، أبوبكر ضاهر عثمان، القوات الإثيوبية بتنفيذ عمليات توغل غير قانونية عبر الحدود المشتركة بين البلدين، مما أدى إلى مواجهات مع قوات الأمن الصومالية.
منبر جده هو الحل
في السياق ثمن حزب الأمة السوداني، بقيادة مبارك الفاضل المهدي، استراتيجية السعودية تجاه السودان التي تقوم على استقراره والحفاظ على مؤسساته الوطنية، وجهودها الحثيثة التي بذلتها في سبيل تعزيز السلام ووقف الحرب.
ويؤكد الحزب أن السعودية لعبت دورا محوريا في استقبال السودانيين منذ اندلاع الحرب، في منتصف أبريل 2023، وقدمت لهم كل الإمكانيات وفرص العمل، لأنهم ينظرون إليها باعتبارها تشكل العمق العربي للسودان، وتتعاطى بحكمة ودراية في الأزمة السودانية.
ويرى حزب الأمة أن “منبر جدة” المبادرة الأكثر تأهيلا وتأثيرا لوقف الحرب؛ لأنه يلامس قضايا جوهرية تخص المدنيين، منها إخلاء منازل المواطنين والمرافق العامة من قوات الدعم السريع، ولأنه الأكثر جدية في التعامل مع الحرب في السودان، بدليل توصله لاتفاق بعد 3 جولات، إلا أنه لم ينفذ، بسبب تعنت الدعم السريع وعدم خروجه من بيوت المواطنين والأعيان الحكومية.
وعن جهود السعودية في حل الأزمة السودانية، يقول محمد الماحي الأنصاري، عضو المكتب السياسي لحزب الأمة، إن السودانيين يعولون كثيرا على “منبر جدة”، وينتظرون منه انفراجة كبيرة في ملف وقف الحرب، وعودة الحياة إلى طبيعتها، كما ينظرون إلى السعودية باعتبارها تشكل العمق العربي للسودان، وتتعاطى بحكمة ودراية للوصول إلى إبرام وتنفيذ اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار ووقف المواجهات المسلحة في السودان.
ويشدد الماحي الأنصاري، في حديث خاص لـ”الوئام”، على أن السعودية تضطلع بجهود دائمة ومتواصلة وكبيرة في منبر جدة، وتقدم كل الأفكار والطروحات التي تسهم في وقف الحرب في السودان، مشددا على أن السعودية ليس لديها أي أطماع في السودان، ولا تتدخل في شؤونه الداخلية والسياسية، وهي على مسافة واحدة من جميع السودانيين.
ويرى السياسي السوداني أن السودانيين يعلقون آمالا كبيرة على استئناف المفاوضات في منبر جدة وإنهاء الصراع، لكن ينبغي على الدول الراعية للحوار أن تملك رؤية واضحة بشأن سبل إنهاء الصراع الذي دخل عامه الثاني، وأن تركّز جهودها الإقليمية والدولية على إيجاد الحلول بوسائل أكثر فاعلية، ودراسة الأسباب التي أدت إلى عدم تنفيذ قوات الدعم السريع الاتفاقيات السابقة في جدة، وهذا يضع الوسطاء أمام تحدٍّ واضح لإنهاء الصراع في السودان.