أحمد الأمين فال
كاتب موريتاني
في تقديري أنه كان الأولى بأؤلئك الذين أنفقوا الوقت الوفير والأموال الطائلة والترسانة الفنية الهائلة في تتبع “حياة الماعز” في صحراء نائية أن يركزوا اهتمامهم على إنقاذ حياة عشرات الآلاف من فتيات الديفاداسي في عقر دار إحدى “أكبر” و”أنضج” ديمقراطيات العالم.
بهذه الفقرة أفتتح هذا المقال، استهلالا لفضح البعد المعياري الوقح في هذا الفيلم الرديء في شكله ومضمونه، القذر في أهدافه وغاياته. ففي مناطق كثيرة من العالم تمارَس أنماطا مؤلمة من الاستعباد والمعاملات اللاإنسانية، ليس أقلها شأناً تلك المنتشرة في الهند نفسها؛ حيث يسود أبشع أنواع الاستغلال ضد عشرات الآلاف من الفيتات القصر، وحيث الانتشار المذهل لتجارة واسترقاق الأطفال، وحيث يستمر الظلم والتمييز على أساس ديني ضد المسلمين.
وفي بلدان أخرى كثيرة، تمارس اليوم أنواع الظلم والقهر والعبودية سواء في أشكالها التقليدية أو أنماطها المعاصرة. فَلِمَ هذه الضجة الكبرى حول حالة واحدة متفردة وشاذة، بل والأغلب أنها مفبركة؟! إنها الانتقائية ولعبة ازدواجية المعايير المكشوفة. والاستهداف الواضح للمملكة العربية السعودية وللشعب السعودي الكريم المِضْياف.
لقد شكلت المملكة العربية السعودية؛ بلاد الحرمين الشريفين، عبر تاريخها، مأوى لملايين الهاربين من لظى العبودية والاسترقاق والفقر والفاقة، فاستظلوا بظل أمنها، وقطفوا من ثمار خيراتها، ونعموا بكرم ضيافة أهلها، بغض النظر عن جنسياتهم وانتماءاتهم العرقية أو الدينية؛ قدموا عبر شتى فجاج الأرض ومن كل مناكبها، ناشدين الأمن والاسقرار والرفاه، فكان لهم ما أرادوا وزيادة.
كل ذلك يفضح بشكل جلي وواضح الادعاء بأن “حياة الماعز” هو عمل فني محض –كما يروج البعض- يتناول ظاهرة متجذرة تمس حرية وكرامة الإنسان، ولها بعد إنساني شمولي يحتاج كل هذا الاهتمام والتركيز.
لو كان الأمر كذلك لوجد منظرو فكرة الفلم والقائمين عليه ضالتهم في أنشطة صيد الأسماك في تايلاند، ومجال التعدين في كوريا الشمالية، وغسيل السيارات في بريطانيا، ورعي المواشي في البرازيل، وعمال الكاوكاو في ساحل العاج وغيرها من الأنشطة الاقتصادية عبر العالم، حيث أشارت تقارير دولية حديثة إلى أن كل هذه الأنشطة تشكل بؤرا خطيرة لممارسة أنماط شنيعة من العبودية المعاصرة.
لا يخفى إذا أن “حياة الماعز” مدعوم بحملة مسعورة ضد المملكة العربية السعودية وأهلها الطيبين الكرام، تجلت تلك الحملة في التوزيع المكثف لمقاطع الفيلم عبر منصات التواصل الاجتماعي، والترويج والتطبيل له من خلال المقالات والتعليقات والتحليلات رغم ما حواه من تناقضات في حبكته القصصية وثغرات في بنيته الفنية.
وختاما، ستبقى مكانة المملكة العربية السعودية شامخة سامقة، وستبقى الأيادي البيضاء لشعبها المعطاء عصية على التدنيس والتشويه، تلك الأيادي التي امتدت بالخير والرحمة والعطاء للمحتاجين في شتى بقاع المعمورة، قال تعالى: (كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ). صدق الله العظيم.