العلاقات السعودية المصرية تُمثّل بحق نموذجًا يُحتذى به في التعاون العربي الوثيق، خصوصًا ما تتميّز به هذه العلاقة من عمقها الاستراتيجي وشراكتها المتينة ومصالحها المشتركة.
وتُعدّ السوق المصرية وجهة جاذبة للسعودية، كما أنّ القاهرة تمثّل أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين للرياض، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 124 مليارًا خلال عامي 2022 و2023، وخلال الأيام الماضية، وجَّه الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بضخ صندوق الاستثمارات السعودي 5 مليارات دولار في مصر.
وفي السياق، يقول الدكتور رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، إن التعاون المصري السعودي، في مجال الاستثمار المباشر، يأتي على خلفية تنفيذ أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر برأس الحكمة في فبراير الماضي، إذ نُفِّذت بتسليم الدفعة الأولى من الأراضي للجانب الإماراتي أول أكتوبر المقبل، وكامل المساحة المتبقية من الصفقة في منتصف نوفمبر من العام الجاري.
ويُضيف رمزي الجرم، في حديث خاص لـ”الوئام”، أن حصول مصر على شهادة ثقة من المؤسسات المالية العالمية، ومن أهمها صندوق النقد الدولي، كان وراء تحسين التصنيف السيادي للاقتصاد المصري بشكل تدريجي، والذي كانت له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد من خلال الثقة الدولية فيه وقدرته على التعافي، في ظل الأزمات المالية المتتالية والمتصاعدة على كل الأصعدة، لما يتمتّع به من بنية مؤسسية قوية، تجعله قادرًا على مواجهة أي صدمات مالية مفاجئة في المستقبل.
الخبير الاقتصادي يُوضِّح أن تدفق الاستثمارات المباشرة من الجانب السعودي للاستثمار في رأس بناس بالبحر الأحمر، لن يكون الصفقة الأخيرة مِن نوعها، نظرًا للثقة التي يحظى بها الاقتصاد المصري خلال الفترة الحالية، فضلاً عن أن الاستثمارات الخليجية في مصر ستكون في مأمنٍ من عمليات المصادرة أو ما نحو ذلك، وفي الوقت نفسه، ترغب الدول الخليجية في توجيه المزيد من الاستثمارات للخارج، للاستفادة من الوفورات المالية التي حدثت للدول المنتجة للنفط، جراء ارتفاع أسعاره العالمية.
ويختتم الجرم حديثه ذاكرًا: “تنفيذ الصفقة الأخيرة بين السعودية ومصر خلال الوقت الراهن، ستكون له أهمية حيوية، على خلفية استثمار عوائد هذه الصفقة بشكل أفضل من صفقة رأس الحكمة، إذ إنّ الأخيرة كانت ضرورية لتغطية الفجوة التمويلية في موارد النقد الأجنبي وسداد جزء كبير من أقساط الدين العام الخارجي، في ظل أن عامَي 2024 و2025 يعتبران من أكثر الفترات صعوبة فيما يتعلق بأقساط الدين العام الخارجي واجبة السداد، فضلاً عن توجيه المزيد من الموارد الدولارية للإفراج عن البضائع المكدسة بالموانئ المصرية، وتدبير طلبات المستوردين من النقد الأجنبي بشكل كامل، وهو ما أدّى إلى القضاء فعليا على ما يسمّى بالسوق السوداء للصرف الأجنبي”.