شهدت السعودية في عام 2023 سلسلة من الأحداث والتحركات السياسية التي جعلتها محور اهتمام الصحافة الغربية. فمن خلال حزمة من المبادرات الدبلوماسية والإصلاحات الداخلية، عززت مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة تلعب دورًا حاسمًا في عديد من القضايا على مستوى محيطها الإقليمي والعالمي.
تعزيز التحالفات مع القوى الكبرى
في مطلع العام، بدأت السعودية تعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى مثل الصين، مما عكس استراتيجيتها للعب دور مزدوج في السياسة الدولية.
وقد تصاعدت هذه العلاقات لاحقًا، وأشارت الصحافة الغربية، مثل صحيفة “فايننشال تايمز“، إلى أن المملكة تحاول موازنة علاقاتها مع الشرق والغرب، خاصة مع تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة. وأن هذه الخطوة تأتي في سياق استراتيجيتها طويلة الأمد للتقليل من الاعتماد على النفط والتحول نحو اقتصاد متنوع.
الوساطة بين روسيا وأوكرانيا
في فبراير، أثارت السعودية انتباه العالم بإعلانها تقديم مساعدات إنسانية بقيمة 400 مليون دولار لأوكرانيا، مما يعكس نهجًا متوازنًا تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية.
اقرأ أيضًا: موعد إجازة اليوم الوطني للقطاعين الخاص وغير الربحي
واستطاعت الرياض أن تقدم نفسها كوسيط محتمل بين روسيا والغرب، وهو ما أشارت إليه تقارير من “رويترز” وغيرها من المواقع الغربية، بينما لاقت هذه المبادرة إشادة كبيرة من الغرب، خاصة في ظل العلاقات الوثيقة التي تحتفظ بها المملكة مع روسيا، وهو ما مكنها من التوسط في 15 عملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا والغرب.
التقارب السعودي الإيراني
أحد أبرز الأحداث في مارس كان التقارب بين السعودية وإيران بوساطة صينية. والذي تفاعلت معه الصحافة العالمية، فذكر المجلس الأطلسي للأبحاث والدراسات، أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران يُعد تطورًا مهمًا، بقدر ما هو مؤشرًا جديدًا على التقارب السعودي الصيني. وقد استفادت السعودية من هذا وأدارته سياسيًا بالشكل الأمثل، الذي أكد مجددًا على أنها تسعى لشراكات جديدة تحقق لها نفوذًا إقليميًا يحررها من الاعتماد على الدعم الأمريكي وحده.
إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية
في أبريل 2023، استضافت السعودية اجتماعًا لتبادل وجهات النظر بشأن عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية كبرى يتغيّر معها المشهد السياسي في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران على استئناف العلاقات. وفي مايو من العام نفسه، استضافت جدة القمة العربية، حيث كانت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية أبرز الأحداث.
هذه التحركات حينها وصفتها الصحافة الغربية بأنها تمثل تجليًا للاستراتيجية السعودية الباحثة عن قيادة المنطقة العربية إلى الاستقرار الذي يخدم فرص التنمية، ويحقق خطط ولي عهد محمد بن سلمان لإصلاح الاقتصاد وتحقيق رؤية 2030.
السعودية والسودان
منذ اندلاع الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع، قادت السعودية جهودًا كبيرة للوصول إلى حل للنزاع في السودان، ولا يزال هذا الدعم مستمر، باستضافة محادثات السلام في جدة بالتعاون مع الولايات المتحدة.
وقد أشار تقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في أبريل 2023 إلى أهمية دعم الولايات المتحدة للجهود السعودية لإحلال السلام في السودان، بينما عكس التقرير دور السعودية كوسيط إقليمي رئيسي، وحذر من أن التدخلات الأجنبية قد تقوض هذه الجهود. كما نصح بتشجيع السعودية على دعم العملية التفاوضية، مع التأكيد على أهمية العودة إلى الحكم المدني لضمان الاستقرار.
استقبال زيلينسكي في جدة
في مايو، استضافت السعودية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال القمة العربية في جدة.
وقد كانت هذه الخطوة مفاجئة للكثيرين، وأظهرت أن السعودية ليست فقط لاعبًا إقليميًا، بل لديها طموحات عالمية للمساهمة في حل الأزمات الدولية.
اقرأ أيضًا: قيادات الدول تهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة اليوم الوطني الـ 94 تقرير
واهتمت المواقع الإخبارية والصحف الغربية بهذه الزيارة، ومن بينها “أكسيوس” الأمريكي، الذي وصف التحرك السعودية بأنه يأتي في إطار اهتمام الرياض بوضع نفسها كوسيط ناجح في حل الأزمات الدولية.
تعزيز العلاقات مع تحالف “بريكس”
في يونيو، استمرت السعودية في بناء علاقاتها مع دول تحالف “بريكس”، وهي خطوة أشار إليها العديد من وسائل الإعلام الغربية كدليل على تحول السعودية نحو عالم متعدد الأقطاب. وقد ركزت “دويتشه فيله“، على هذه التحركات باعتبارها تأكيدًا على نية السعودية أن تصبح قوة سياسية واقتصادية عالمية.
دولة نفطية قوية تسعى لاقتصاد غير معتمد على النفط
في يوليو، أعلنت السعودية عن تخفيض إنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميًا.
هذه الخطوة كانت لافتة للنظر وقد أبرزت تأثير الرياض في أسواق الطاقة العالمية، رغم خطواتها الجادة في تنويع اقتصادها وتحررها من العقيدة القديمة باعتبارها دولة نفطية ريعية في الأساس. وهو ما أشارت إليه “رويترز” في تغطيتها من أن السعودية لا تزال تمتلك القدرة على التحكم في أسواق النفط العالمية.
استضافة قمة حول الأزمة الأوكرانية
في أغسطس، عقدت السعودية قمة هامة في جدة لبحث الأزمة الأوكرانية، بمشاركة ممثلين من دول غربية وأخرى نامية.
هذه القمة، التي حضرها ممثلون من 40 دولة، أظهرت أن الرياض لديها القدرة على جمع الأطراف الدولية حول طاولة واحدة لمناقشة الأزمات العالمية، مما يعزز دورها كوسيط عالمي موثوق، وفق ما أشار إليه المركز العربي للدراسات في واشنطن العاصمة ACW.
السعودية والقضية الفلسطينية
بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، دعت السعودية إلى “وقف فوري للتصعيد”، مع تأكيد رفضها للتهجير القسري للفلسطينيين وإدانتها لاستهداف المدنيين في غزة. وهو الأمر الذي وصفه تقرير معهد The International Spectator البحثي بأنه يعكس التزام الرياض الطويل الأمد بقضية فلسطين.
وقد نجحت السعودية بضغطها الدولي، مستفيدة من نفوذها الإقليمي وتصاعده دوليًا، في دعم القضية الفلسطينية، بما مكن الفلسطينيين من الحصول على دعم مزيد من الدول الأوروبية التي اعترفت بفلسطين، بينما لا تزال الرياض تضغط عبر اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية بشأن التطورات في قطاع غزة في سبيل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وإنهاء العدوان والإبادة الجماعية في غزة.
واليوم، تدخل المملكة يومها الوطني 94 كقوة إقليمية مؤثرة ووسيط دولي بارز، معززةً موقعها كفاعل رئيسي يسعى للسلام والتنمية في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المنطقة.
ورغم الصراعات المتلاحقة، تظل المملكة ملتزمة بدعم أشقائها العرب في اليمن والسودان وفلسطين، حيث تبذل جهودًا حثيثة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، بما يجعلها ركيزة أساسية في بناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة.