د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى
دعت السعودية لقمة عربية إسلامية مشتركة في 11 نوفمبر 2024، لبحث استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان، باعتبار أنه لا توجد دولة عربية ولا إسلامية قادرة على مواجهة إسرائيل، لا دبلوماسيا ولا بأي وسيلة من الوسائل الأخرى، بل على العكس كان قيام طوفان الأقصى من أجل وقف مفاوضات إقامة الدولة الفلسطينية التي كانت السعودية تجريها على قدم وساق مع الدول المعنية حتى توافق على إقامة علاقة مع إسرائيل، بجانب انضمام إسرائيل إلى الممر الأخضر الهندي الأوروبي الذي ترعاه السعودية، عدا ذلك أعلنت السعودية أنها لن تقبل إقامة علاقة مع إسرائيل بدون ثمن، وهذا الثمن تمكين الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم، حتى يتوقف الصراع في المنطقة، وحتى لا يستثمر هذا الصراع من قبل دول أخرى تتاجر بالقضية الفلسطينية.
هذه القمة هي امتداد للقمة التي استضافتها الرياض في 11 نوفمبر 2023 استكمالا للجهود المبذولة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالتنسيق مع قادة الدول العربية والإسلامية، من أجل بحث تداعيات مواصلة العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ليشمل لبنان، وتداعياته الخطيرة على أمن الشرق الأوسط واستقراره.
تأتي هذه القمة استكمالا للجهود التي بذلت منذ عقد القمة الأولى، وما تمخض عنها من لجنة وزارية مشتركة بذلت جهودا دبلوماسية لوقف الحرب، والدفع نحو حل شامل للقضية الفلسطينية، وأن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته لوقف العدوان وتفعيل حل الدولتين، وأعلنت السعودية عن إقامة تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية من نيويورك في سبتمبر على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79 بمدينة نيويورك في 26/9/2024، من أجل إيجاد حلول للمسألة الفلسطينية بدلا من الاكتفاء بالانتظار والترقب، واعتبار تنفيذ حل الدولتين هو الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع والمعاناة، وإنفاذ واقع جديد تنعم فيه المنطقة بما فيها إسرائيل بالأمن والتعايش.
ولأول مرة تدعو السعودية لاجتماع رفيع المستوى للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين في الرياض في 9 نوفمبر 2024، ليقدم جدول زمني محدد لبناء الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، وشارك الاتحاد الأوروبي بالإضافة للنرويج ونحو 90 دولة ومنظمة دولية، بعدما وصل عدد الدول التي وافقت على إقامة الدولة الفلسطينية في نيويورك 149 دولة من تنفيذ حل الدولتين كطريق إلى سلام عادل وشامل، ونجحت السعودية في تحالف إقامة الدولة الفلسطينية نتاج جهد أوروبي وعربي.
أي أن السعودية نجحت في إضافة الورقة الاقتصادية إلى جانب الورقة الدبلوماسية السابقة، وبشكل خاص بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، اتخذت أوروبا قرارا بوقف الاعتماد المفرط على الطاقة الروسية، ووجدت فرصتها بعد الإعلان في قمة العشرين في الهند عن إقامة الممر الأخضر من الهند إلى أوروبا برعاية السعودية، والذي يتطلب هذا الممر وقف الصراع في المنطقة، خصوصا تود إسرائيل الانضمام إلى هذا الممر، لكن تشترط السعودية عليها إقامة الدولة الفلسطينية.
هناك متغير ات جديدة دخلت على خط هذا الصراع العربي الإسرائيلي التاريخي، ولأول مرة تشارك الدول الأوروبية وأمريكا في هذا الممر، فهدف أوروبا الحصول على الطاقة، فيما هدف أمريكا مزاحمة الحزام والطريق أو على الأقل ألا يبقى مستفردا بالمنطقة، من خلال تلك المصالح المشتركة يمكنهم الضغط على إسرائيل للقبول بإقامة الدولة الفلسطينية.
وفي هذا السياق صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بأن إقامة الدولة الفلسطينية ليس نتيجة المفاوضات، وإنما وفق قانون دولي يُفرض على إسرائيل، وقصد وزير الخارجية رفض السعودية ربط ملف إقامة الدولة الفلسطينية كحق للفلسطينيين بأي ملف آخر أمني أو غيره.
رفضت القمة العربية الإسلامية الأولى في الرياض توصيف الحرب الانتقامية بأنها دفاعا عن النفس، أو تبريرها تحت أي ذريعة، كما دعت لكسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، بالطبع رفضت القمة محاولة تصفية القضية الفلسطينية، ومحاولة النقل الجبري الفردي أو الجماعي أو التهجير القسري داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية أو الترحيل إلى سيناء أو إلى الأردن، واعتبرته خطا أحمر وجريمة حرب.
إسرائيل منزعجة من تجييش السعودية الرأي العالمي ضد ممارساتها بحق الشعب الفلسطيني، كما أوضح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن الوضع المأساوي والكارثي الذي يشاهده الجميع حالا وكل يوم في غزة، نرى حصارا شاملا لا يُمكن أن يسمى إلا إبادة جماعية للشعب الفلسطيني بهدف إخلائه من أرضه.