خاص- الوئام
تشهد القارة الأوروبية توترات سياسية متزايدة، مع تصدع الحكومات في أكبر دولتين بالاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا، وهما الأكثر تأثيرا، اقتصاديا وسياسيا، في القارة.
الأحداث الأخيرة تشير إلى أزمة عميقة، تهدد وحدة واستقرار الاتحاد الأوروبي.
فرنسا.. أزمة سياسية غير مسبوقة
في باريس، سقطت حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، بعد 3 أشهر فقط من توليها، في واحدة من أسرع الأزمات السياسية في تاريخ فرنسا الحديث.
في 21 سبتمبر الماضي، أُعلن عن تشكيل حكومة بارنييه، وسط احتجاجات واسعة من المعارضة التي اعتبرتها “مولودة ميتة”. وفي 7 ديسمبر الجاري، أعلن الإليزيه قبول استقالة الحكومة، مع تكليفها بتسيير الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
إخفاق الميزانية وحجب الثقة
الأزمة بلغت ذروتها عندما حجبت الجمعية الوطنية الثقة عن حكومة بارنييه، بأغلبية 331 صوتا من أصل 577، بعد فشلها في تمرير الميزانية العامة، بما فيها ميزانية الضمان الاجتماعي. هذا الإخفاق جاء بعد تصاعد احتجاجات، نظّمها أكثر من 110 آلاف متظاهر، ضد تعيين بارنييه من الأقلية السياسية، في ما وُصف بأنه “انقلاب القوة” من الرئيس إيمانويل ماكرون.
المعارضة من الجبهة الشعبية واليمين المتطرف تكاتفت لإسقاط الحكومة، التي أصبحت الأقصر عمرا في تاريخ فرنسا الحديث، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة ودين عام تجاوز 3 تريليونات يورو.
الرئيس ماكرون بدأ مشاورات مكثفة مع الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة، لكن التساؤلات تتزايد: هل سيكرر استراتيجيته باختيار رئيس حكومة من الأقلية، أم سيضطر لتقديم تنازلات للأغلبية البرلمانية الغاضبة؟
ألمانيا.. حكومة هشة وأزمات متصاعدة
في برلين، الوضع ليس أقل تعقيدا، فبعد انتخابات 2021، شهدت ألمانيا انحدارا في شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مقابل صعود غير مسبوق للأحزاب الشعبوية؛ مثل “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) و”تحالف ساهرا فاجنكنخت” (BSW).
الحكومة الحالية، التي تشكلت بتحالف بين الاشتراكيين والديمقراطيين الأحرار والخضر، تواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع الأزمة الاقتصادية. ومع استمرار ضعف الأداء الحكومي، تشير التوقعات إلى احتمالية صعود الديمقراطيين المسيحيين في الانتخابات المقبلة، لكن دون تحقيق أغلبية مطلقة، ما قد يؤدي إلى تحالفات تزيد المشهد السياسي تعقيدا.
هل تتجه أوروبا نحو صعود اليمين المتطرف؟
الأزمات السياسية في فرنسا وألمانيا تعكس أزمة أوسع، تواجه الاتحاد الأوروبي ككل، فالأوضاع الاقتصادية المتدهورة تغذي الدعم للأحزاب الشعبوية والمتطرفة، التي أصبحت قادرة على استقطاب الناخبين الغاضبين من أداء الحكومات التقليدية.
إذا استمرت حالة التصدع والانقسام، فإن صعود الأحزاب المتطرفة في أكبر دولتين في الاتحاد الأوروبي، سيزيد من هشاشة التكتل، ويضع مستقبل الاستقرار الأوروبي على المحك.
ختاما، لا يبدو أن القارة العجوز ستستعيد توازنها قريبا، في ظل غياب حلول جذرية للأزمات الاقتصادية والسياسية التي تهدد وحدة الاتحاد الأوروبي.