أماني بنت أحمد العقالي
إدارة تعليم الرّياض
باحثة دكتوراة بجامعة الإمام محمد بن سعود
مهتمة بسياسات الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة في التعليم
حينما فازت المملكة العربية السعودية باستضافة كأس العالم 2034، لم يكن الحدث مجرد مناسبة رياضية عابرة، بل لحظة فارقة تُعيد رسم ملامح المستقبل في مختلف القطاعات، وعلى رأسها قطاع التعليم. فالأحداث الرياضية الكبرى ليست مجرد منافسات تُقام على المستطيل الأخضر؛ بل هي مساحات شاسعة تتلاقى فيها الثقافات، وتتشابك فيها الأفكار، وتُزرع فيها بذور التغيير في العقول والمهارات.
إن استضافة كأس العالم ٢٠٣٤ في السعودية فرصة ذهبية لإعادة صياغة التعليم بطريقة تتجاوز الكتب، لتفتح أبوابًا جديدة نحو التعلّم. في هذا السياق، يصبح من المهم دمج الرياضة في المناهج الدراسية كأداة تربوية تعزز قيم الانضباط والمسؤولية والعمل الجماعي، ويتحول الطلاب إلى قادة فرق، يتعلمون مهارات التخطيط الاستراتيجي، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، مستوحين هذه المهارات من واقع الملاعب وأجواء التنافس الرياضي.
كما يتسع ذلك ليشمل إضافة مواد دراسية متخصصة تُعنى بتنظيم الفعاليات الكبرى، والإدارة الرياضية، والتسويق العالمي، مما يُعِدّ الأجيال المقبلة لدخول أسواق عمل متجددة ومليئة بالفرص، وتعزيز فهم الطلاب للتنوع الثقافي وقيم التسامح والاحترام المتبادل.
كما تنبض هذه الاستضافة بالحياة خارج الفصول الدراسية، حيث يُتاح للطلاب المشاركة في تنظيم فعاليات مدرسية تحاكي أجواء البطولة، ليتعلموا عبر التجربة المباشرة فنون القيادة والتنظيم والعمل بروح الفريق. وتُفتح أمامهم فرص التدريب العملي في مجالات الإعلام الرياضي، والسياحة، وإدارة الفعاليات، ليعيشوا التجربة في أجواء حقيقية تنمي فيهم روح الإبداع وتمنحهم الثقة بقدراتهم.
ومع وصول الآلاف من الزوار والمشجعين من مختلف أنحاء العالم، يتحول تعلم اللغات الأجنبية إلى ضرورة حيوية لتعزيز مهارات التواصل وبناء جسور التفاهم الثقافي، حيث يصبح التحدث بلغة أخرى وسيلة لتجسير المسافات بين الشعوب.
ولأن التعليم يحتاج إلى بيئة حاضنة تواكب هذا التطور، فإن استضافة حدث بحجم كأس العالم ٢٠٣٤ في السعودية يتطلّب استثمارات نوعية في تطوير البنية التحتية التعليمية، حيث يمكن أن تتوسع المؤسسات التعليمية لتشمل مدارس متخصصة في الرياضة، وتتغير الفصول الدراسية لتصبح أماكن تفاعلية تجمع بين النظرية والتطبيق، وتصبح الملاعب مساحات تعليمية، كما يمكن إطلاق مشاريع بحثية تستكشف التأثير التعليمي للأحداث الرياضية الكبرى، وتقديم توصيات مبتكرة لتطوير السياسات التعليمية.
وختامًا، لا يمكن اختصار كأس العالم في المباريات والنتائج فقط؛ بل هو منصة عالمية تتلاقى فيها الرياضة مع التعليم والثقافة، لترسم مستقبلًا أكثر إشراقًا، ويصبح ذلك رؤية شاملة تعيد تعريف التعليم كرحلة متكاملة، تنطلق من قاعات الدراسة لتصل إلى ساحات الحياة الكبرى، حيث يتعلم الجميع أن الفوز الحقيقي هو في بناء العقول ورسم ملامح الغد.