أعلنت ثلاث من أكبر شركات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة عن دخولها في شراكات مع القوات المسلحة والمقاولين العسكريين، رغم تعهدها في السابق بعدم الانخراط في التطبيقات العسكرية. هذا التحول يبدو أنه يفتح الباب لمرحلة جديدة من الحروب التي تدار باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهو أمر مرعب وفق ما يشير إليه تقرير حديث بموقع New Atlas.
ففي 4 ديسمبر 2024، وفي خطوة مغايرة لسياساتها السابقة التي كانت ترفض التعاون مع القطاع العسكري، أعلنت شركة “OpenAI” عن شراكة مع “Anduril Industries”، وهي شركة تكنولوجيا دفاعية متخصصة في تطوير الذخائر الذاتية والطائرات المسيرة وأجهزة الاستطلاع، وكذلك مركبات تحت الماء غير مأهولة.
تعتمد “Anduril” على منصة “Lattice”، وهي منصة لإدارة الأسراب الذاتية من الأنظمة المتطورة، التي تمكن من التنسيق بين الآلات والأنظمة بشكل يتجاوز قدرة الإنسان.
وأشار الرئيس التنفيذي لشركة “Anduril”، براين شيمف، في بيان صحفي، إلى أن الشراكة مع “OpenAI” ستتيح استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين قدرات الدفاع الجوي في مواجهة التهديدات المختلفة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والطائرات المأهولة.
وأضاف: “سوف تمكننا هذه الشراكة من معالجة فجوات الدفاع الجوي في جميع أنحاء العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما سيساهم في تحسين سرعة وكفاءة الاستجابة في المواقف عالية الضغط”.
تحول في سياسة “OpenAI”
في الوقت الذي حذر فيه سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI”، في عام 2023 من المخاطر التي قد تنتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطبيقات غير مسؤولة، حيث وصف ذلك بأنه قد يؤدي إلى “أضرار جسيمة”، فإن الشركة قد قررت في يناير 2024 تعديل سياستها السابقة بشأن الاستخدام العسكري لتقنياتها.
وقامت الشركة بإلغاء الحظر الذي كان مفروضًا على استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية، مما فتح المجال أمام الشراكة مع “Anduril“.
وتعتبر هذه الشراكة جزءًا من استراتيجية “OpenAI” التي تهدف إلى تعويض الخسائر المالية التي تتكبدها الشركة، حيث من المتوقع أن تخسر “OpenAI” نحو 5 مليارات دولار في العام 2024. وعليه، أصبحت العقود الحكومية والدفاعية خيارًا مغريًا للمساعدة في تعويض تلك الخسائر.
القلق الأخلاقي داخل “OpenAI”
وعلى الرغم من الإعلان الرسمي عن هذه الشراكة، إلا أن هناك قلقًا متزايدًا داخل شركة “OpenAI” بشأن الأبعاد الأخلاقية لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية. حيث أبدى بعض الموظفين مخاوفهم بشأن الآثار السلبية التي قد تنجم عن استخدام هذه التقنيات في الحروب.
وأكدت “OpenAI” أنها تلتزم بتوجيه تقنياتها نحو الأغراض الدفاعية فقط، ولن تستخدمها في الهجمات الهجومية. ومع ذلك، أشار أحد الموظفين إلى أن هذه التقنيات قد تساهم في تطوير أنظمة شبيهة بـ “Skynet”، النظام الذي ظهر في أفلام “Terminator” وكان المسؤول عن تدمير البشرية.
الذكاء الاصطناعي وتغير شكل الحروب
وفيما يتعلق بتطورات الحروب الحديثة، فقد أثبتت الحرب في أوكرانيا في عام 2022 أن الطائرات المسيرة أصبحت من أكثر الأسلحة فاعلية في الصراعات الحديثة، لا سيما الطائرات المسيرة التي تم تعديلها للاستخدام العسكري، مثل طائرات “DJI Mavic” التي تم تكييفها لتلقي القذائف.
وقد أصبحت هذه الطائرات المسيرة أداة استراتيجية قوية بالنسبة للجيش الأوكراني، حيث سُجل أن واحدة من كل ثلاث ضربات ضد الدبابات الروسية قد تمت باستخدام طائرات مسيرة صغيرة محلية الصنع. وبفضل التكلفة المنخفضة والدقة العالية، أصبح لهذه الطائرات تأثير كبير في موازين الحرب.
وقد لفتت هذه التطورات الانتباه إلى ضرورة تطوير تكنولوجيا الدفاع لمواجهة تهديدات الطائرات المسيرة، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تسريع أبحاثها وتطوير أساليب مبتكرة في هذا المجال، بالتوازي مع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية.
شركات التكنولوجيا والقطاع الدفاعي
ووفق New Atlas، لم تكن “OpenAI” الوحيدة التي دخلت هذا المجال، فقد أعلنت شركة “Meta” عن إتاحة نموذجها اللغوي “Llama” للوكالات الحكومية الأمريكية والمقاولين العسكريين مثل “Lockheed Martin”، وذلك بعد أن كانت قد منعت في السابق استخدام تقنياتها في الأغراض العسكرية.
وبهذا التحول، تدخل “Meta” قائمة الشركات التي تقدم تقنياتها للقطاع الدفاعي، إلى جانب شركات مثل “Booz Allen Hamilton”، و”Palantir”، و”Anduril”، التي ترتبط بتعاونات طويلة الأمد مع الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية.
أيضًا، أعلنت شركة “Anthropic”، التي تطور نموذج الذكاء الاصطناعي “Claude”، عن شراكتها مع شركة “Palantir Technologies”، التي كانت قد واجهت انتقادات سابقة بسبب تعاملاتها مع وكالات الاستخبارات الأمريكية وبرامج المراقبة.
الشركات الكبرى تدخل السباق الدفاعي
وتدخل العديد من الشركات الكبرى مثل “Microsoft”، و”Google”، و”Amazon”، و”Oracle” في السباق لتقديم تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى وزارة الدفاع الأمريكية، عبر برنامج “JWCC” الذي تبلغ ميزانيته 9 مليارات دولار. ويشمل هذا البرنامج تطوير أنظمة سحابية لتسهيل اتخاذ القرارات العسكرية وتسريع العمليات باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتوفير تحليلات البيانات المتقدمة.
وقد أعلنت الشركات المذكورة عن مساهماتها الفريدة في البرنامج، حيث تقدم “Google” تقنيات لتحسين سرعة اتخاذ القرارات، وتقدم “Amazon” تحليلات متقدمة للبيانات، بينما تسلط “Microsoft” الضوء على شبكتها الواسعة من الكابلات تحت البحر، وتوفر “Oracle” تقنيات التحليل التنبؤي.
وبينما تسير هذه الشركات في اتجاه دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجياتها العسكرية، يبقى السؤال الكبير: هل نحن مستعدون لتحمل العواقب المترتبة على هذا التطور؟