سعود النداح
باحث دكتوراة في سياسات الرعاية الاجتماعية وإدارة المؤسسات، مستشار اجتماعي.
مع تداعيات الحياة، يبرز معدن الإنسان حين تتبدل الأحوال وتتغير الوجوه. الفراق، وإن بدا حتميًا في كثير من الأحيان، ليس هو ما يكسر القلوب، بل هشاشة العشرة التي قد تتلاشى أمام أول اختبار حقيقي. العلاقة التي تقوم على المظاهر دون عمق، تسقط سريعًا حين تهب رياح الواقع. لذلك، لا يُخشى الفراق بقدر ما يُخشى أن تكتشف زيف ما كنت تظنه صادقًا.
الزمن ليس مجرد مرور للأيام، بل هو كاشف الحقائق الأول. حين تتغير الظروف وتتبدل الأدوار، يظهر من كان ثابتًا بجانبك ومن اختار أن يرحل بصمت. الأصالة هنا هي البصمة التي لا تمحى، هي ذلك النقاء الداخلي الذي لا يتلون بتغير المواقف ولا ينحني تحت وطأة المصالح. فالأصيل لا يجور إن أُعطي قوة، ولا ينسى المعروف إن أُعطي فضلًا. الأصيل هو ذلك الإنسان الذي يعكس جوهره النقي مهما اشتدت عليه الظروف أو تبدلت الأزمان.
المواقف وحدها من تكشف معادن البشر، فهي التي تظهر حقيقة العلاقة بعيدًا عن أقنعة المجاملة والادعاء. وقد تعيش سنوات مع شخص دون أن تعرفه، بينما موقف واحد يكفي ليظهر لك وجهه الحقيقي. ليست العشرة بطولها، بل بصدقها وصلابتها في مواجهة ما لا يُتوقع.
الأصيل لا يساوم على مبادئه، ولا يخضع لرياح التغير. هو ثابت، متجذر في قيمه، لا تغيره الظروف، بل يثبت فيها كالجبل. بينما من يفتقد هذه الأصالة يعيش متذبذبًا، يتلون حسب المصلحة، ولا يستقر له قرار.
الحياة ليست سوى مسرح اختبار كبير، وكل موقف فيه فرصة للكشف عن الجواهر الحقيقية التي تختبئ خلف الوجوه. الأصالة ليست مجرد صفة، بل هي جوهر الإنسان، وهي التي تترك أثرًا عميقًا لا يزول، مهما مضت السنين أو تبدلت الأيام، والحقيقة التي لاتخفى على أحد، مهما حاول الإنسان أن يخفي معدنه، فإن طبع الأصل غلاب.