يشهد سوق السندات الخضراء في السعودية نموًا كبيرًا، مما يعزز من مكانة المملكة كلاعب رئيسي في مجال التمويل المستدام، في إطار سعيها لتحقيق أهداف رؤية 2030 الطموحة.
حظيت السندات الخضراء، إلى جانب الصكوك، بشعبية متزايدة، حيث تقدم تمويلًا حيويًا للمشروعات البيئية في مجالات مثل الطاقة المتجددة، إدارة المياه المستدامة، وتقليص النفايات.
وفي مارس الماضي، أطلقت وزارة المالية السعودية “إطار التمويل الأخضر”، الذي يقدم خارطة طريق شاملة لدعم المبادرات المعنية بالمناخ، مما أثار اهتمام المستثمرين المحليين والدوليين.
كما يسلط هذا الإطار الضوء على التزامات المملكة البيئية ضمن مبادرات مثل “المبادرة السعودية الخضراء”، التي تهدف إلى مكافحة تغير المناخ، وتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2060، ودفع التحول الوطني نحو ممارسات مستدامة.
وأكد داميان هيتشن، الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا والهادئ في بنك “ساكسو”، القيمة الاستراتيجية للسندات الخضراء، قائلاً: “تعد السندات الخضراء أداة مالية حاسمة في تقدم رؤية السعودية 2030، خاصة في تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز الطاقة المتجددة”.
وأضاف هيتشن: “تسهم السندات الخضراء في تعزيز الاقتصاد بشكل أكثر توازنًا ومرونة من خلال تمويل المشروعات خارج قطاع النفط، مثل البنية التحتية الخضراء والطاقة المتجددة.”
المشروعات الرائدة والدعم الحكومي يعززان النمو
جعلت رؤية 2030 الاستدامة حجر الزاوية لاستراتيجية المملكة الاقتصادية، من خلال إطلاق المبادرة السعودية الخضراء وإطار اقتصاد الكربون الدائري.
وأوضح فيجاي فاليتشا، كبير مسؤولي الاستثمار في “سينتري فاينانشيال”: “العامل الرئيس المسؤول عن نمو السندات الخضراء هو رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تقليل اعتماد البلاد على النفط وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة لحماية البيئة وتنويع الاقتصاد”.
وأضاف فاليتشا أن “الدعم الحكومي القوي”، الذي يظهر من خلال مبادرات مثل “المبادرة السعودية الخضراء”، يقدم إطارًا للمشروعات المستدامة ودعمًا تنظيميًا للأدوات المالية الخضراء.
من أبرز الإنجازات تمويل مشروع محطة الهيدروجين الأخضر في “نيوم” الذي بلغ 8 مليارات دولار، وهو أكبر مشروع من نوعه في منطقة الشرق الأوسط.
زيادة الثقة في السندات الخضراء
أصدر صندوق الاستثمارات العامة السعودي أول سند أخضر له في عام 2022، مما يبرز التزامه بتخصيص مليارات الدولارات نحو البنية التحتية الخضراء والطاقة المتجددة والمشروعات المستدامة.
وقال هيتشن إن هذا أدى إلى تأثير مضاعف في السوق.
وأضاف هيتشن: “لقد نما الاهتمام بالسندات الخضراء في السعودية بشكل كبير، حيث يتزايد جذب المستثمرين المؤسساتيين والأفراد نحو التمويل المستدام. وقد برز تحول ملحوظ في الطلب مع تزايد أهمية العوامل البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في استراتيجيات الاستثمار.”
وأكد فاليتشا هذا الطلب المتزايد، مشيرًا إلى أن “اهتمام المستثمرين بالسندات الخضراء في السعودية، وخاصة من المستثمرين المؤسساتيين، كبير ويزداد بسرعة.”
وتوقع فاليتشا أن يتزايد مشاركة الأفراد في هذه السندات مع استمرار الحكومة في تعزيز الوعي المالي حول الاستثمار المستدام.
تعزيز التنوع الاقتصادي والاستدامة طويلة الأمد
إن النمو السريع للسندات الخضراء لا يجذب الاستثمارات الكبيرة فحسب، بل يدعم أيضًا تنوع الاقتصاد السعودي، ويعزز الصناعات الصديقة للبيئة، ويفتح فرصًا جديدة في السوق.
وقال هيتشن: “تسهم السندات الخضراء في الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد ومرونة الاقتصاد من خلال تمويل هذه القطاعات غير النفطية. إنها أساسية لتحقيق أهداف الطاقة المتجددة، وتمويل مشروعات مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لمساعدة المملكة على تحقيق 130 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.”
وأشار فاليتشا إلى التأثير التحويلي لهذه الاستثمارات، مؤكدًا أن السندات الخضراء تعد أساسية “لتوفير التمويل اللازم لدعم مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الكبيرة، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وينقل الاقتصاد السعودي نحو مستقبل منخفض الكربون.”
وأضاف فاليتشا أن هذا التحول لا يعود بالفائدة على البيئة فحسب، بل يخلق أيضًا وظائف ويفتح طرقًا للتنمية الحضرية المستدامة والنقل الأخضر وحفظ المياه.
مع استمرار تبني الأسواق المالية السعودية للسندات الخضراء، أصبحت الإطارات التنظيمية وثقة المستثمرين أكثر رسوخًا، مما يمهد الطريق للنمو المستدام.
ودعا هيتشن إلى اتخاذ المزيد من الخطوات للحفاظ على هذا الزخم، مشددًا على أهمية “تعزيز دعم الحكومة وتأسيس معايير شفافية قوية لمنح المستثمرين الثقة بأن أموالهم تسهم في الاستدامة الحقيقية.”
واتفق فاليتشا مع هذا الرأي، مشيرًا إلى أن النظام البيئي الشامل للتمويل الأخضر أمر أساسي.
وقال: “يجب على الحكومة تعزيز القوانين والتنظيمات لجذب المزيد من رأس المال، حيث إن نظام تمويل أخضر محلي، يشمل معايير تقارير ESG وحوافز ضريبية واضحة، يمكن أن يساعد بشكل كبير في دعم الطلب على السندات الخضراء.”