سعود النداح
باحث دكتوراه في سياسات الرعاية الاجتماعية وإدارة المؤسسات، مستشار اجتماعي
تشهد سياسات الرعاية الاجتماعية في المملكة تحولًا نوعيًا يعكس رؤية جديدة لمفهوم العدالة والتنمية المستدامة. هذا التحول لم يعد يقتصر على توفير الدعم المادي أو تلبية الاحتياجات الأساسية فقط، بل أصبح أداة شاملة لتمكين الأفراد وتعزيز دورهم في بناء مجتمع أكثر توازنًا وازدهارًا. الرؤية اليوم تركز على تقديم حلول مبتكرة تحقق التكافؤ بين جميع فئات المجتمع، مع تمكين الأفراد ليكونوا مشاركين فاعلين في تحقيق الأهداف الوطنية.
أبرز ما يميز هذه السياسات الحديثة هو التكامل بين أدوات التكنولوجيا والحوكمة الفعالة. عبر استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، أصبحت الخدمات الاجتماعية أكثر دقة وفعالية، حيث تُصمم البرامج بشكل يضمن وصول الدعم إلى مستحقيه بكفاءة عالية. هذا النهج الجديد يقلل من التحديات التقليدية، مثل سوء توزيع الموارد أو الهدر المالي، ويعزز من استدامة البرامج على المدى البعيد.
إضافة إلى ذلك، الشراكة بين القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني تشكل ركيزة أساسية في دعم هذه السياسات. اليوم، لم تعد الدولة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن توفير الخدمات الاجتماعية، بل أصبح القطاع الخاص والمجتمع المدني شريكين حيويين في تطوير وتنفيذ المبادرات التي تستجيب لاحتياجات الأفراد. هذا التكامل يفتح الباب أمام حلول أكثر ابتكارًا واستدامة، ويعزز من التكافل بين مختلف أطياف المجتمع.
أما على مستوى الأفراد، فالسياسات الحديثة لا تهدف فقط إلى تقديم المساعدة، بل تسعى لتمكين الفئات المستفيدة، سواء عبر توفير فرص العمل، أو تحسين المهارات، أو تعزيز المشاركة المجتمعية. التركيز على التمكين يجعل هذه السياسات أكثر فعالية، حيث تتيح للمستفيدين فرصة تحقيق الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية، بدلًا من الاعتماد على الدعم المستمر.
الشفافية والحوكمة هما حجر الأساس لضمان نجاح هذه التحولات. الرقابة الدقيقة وإدارة الموارد بكفاءة يعززان الثقة بين المؤسسات والمجتمع، مما يجعل الخدمات الاجتماعية أكثر موثوقية وعدالة. عندما تكون هذه السياسات مبنية على أسس واضحة وشفافة، فإنها تصبح قادرة على تحقيق أثر إيجابي يدوم لسنوات.
التحولات التي تشهدها سياسات الرعاية الاجتماعية تعكس رؤية المملكة الطموحة نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. الهدف ليس فقط تحسين مستوى المعيشة في الوقت الراهن، بل بناء مجتمع متماسك تكون فيه العدالة الاجتماعية أساسًا لتحقيق الرخاء والتقدم. هذا التوجه يجعل من المملكة نموذجًا عالميًا للرعاية الاجتماعية التي توازن بين احتياجات الأفراد ومتطلبات التنمية.