فيصل المدلاج
صحافي سعودي، وشارح في منصة تميز، مختص في الإتصال والإعلام
مع التطور السريع للتكنولوجيا وانتشار الهواتف الذكية في كل أرجاء العالم، ظهرت صحافة الموبايل كواحدة من أكثر الظواهر تأثيرًا في عالم الصحافة الحديثة. وهذه الظاهرة لم تكن مجرد انعكاس للتقدم التكنولوجي، بل أصبحت نموذجًا جديدًا يغير قواعد اللعبة في جمع ونقل الأخبار، مما جعلها أداة لا غنى عنها في تغطية الأحداث بسرعة وفعالية.
وتتميز صحافة الموبايل بالقدرة على تمكين الصحفيين والمواطنين على حد سواء من نقل الحدث فور وقوعه، دون الحاجة إلى تجهيزات معقدة أو معدات مكلفة. في الماضي، كانت تغطية الأحداث تتطلب فرقًا كبيرة وكاميرات باهظة الثمن ومعدات تقنية متقدمة. أما اليوم، فإن هاتفًا ذكيًا متصلًا بالإنترنت يكفي لتصوير فيديو عالي الجودة، تحريره، ومشاركته مع الجمهور في دقائق معدودة. هذا التحول لم يُحدث ثورة فقط في وسائل الإعلام التقليدية، بل وسّع نطاق الصحافة ليشمل الأفراد العاديين، مما عزز ما يُعرف بـ”صحافة المواطن”.
أحد أبرز أدوار صحافة الموبايل هو تغطية الأحداث العاجلة أو المناطق التي يصعب الوصول إليها. أثناء الكوارث الطبيعية أو النزاعات المسلحة، غالبًا ما يكون الصحفيون المواطنون أو الصحفيون المحترفون الذين يستخدمون هواتفهم المحمولة في الخطوط الأمامية، حيث يوفرون صورًا ومقاطع فيديو فورية تُظهر الحقيقة دون تأخير. مثال على ذلك، كان لصحافة الموبايل دور محوري في تغطية الاحتجاجات الشعبية حول العالم، مثل احتجاجات هونغ كونغ، حيث استخدمت هذه التقنية لنقل مشاهد حية وواقعية ساهمت في تشكيل الرأي العام العالمي.
لكن مع هذه الإيجابيات، تأتي ايضاً التحديات. فصحافة الموبايل تطرح تساؤلات حول دقة المعلومات وصحتها، نظرًا لأن السرعة في النشر قد تأتي أحيانًا على حساب التحقق من المصادر. وانتشار الأخبار الزائفة والمضللة هو أحد العواقب السلبية التي تواجه هذا النوع من الصحافة. لذلك، من الضروري تعزيز ثقافة التحقق والمسؤولية لدى مستخدمي هذه الوسيلة لضمان مصداقية المحتوى المنشور.
وعلاوة على ذلك، تواجه صحافة الموبايل انتقادات تتعلق بجودة المحتوى مقارنة بالإنتاج الإعلامي التقليدي. ورغم أن التكنولوجيا الحديثة تمكنت من تحسين جودة التصوير والتحرير عبر الهواتف الذكية، إلا أن غياب البنية التحريرية أو المعايير المهنية قد يؤدي إلى ضعف الرسالة الإعلامية في بعض الأحيان. لذلك، تسعى المؤسسات الإعلامية إلى دمج صحافة الموبايل مع أساليبها التقليدية، مما يخلق توازنًا بين السرعة والمصداقية.
ومن الناحية الأكاديمية، تُعد صحافة الموبايل انعكاسًا مباشرًا للتحول الرقمي الذي يشهده العالم. فالأدوات الرقمية لم تغير فقط طريقة تواصلنا، بل أعادت تعريف مفهوم الصحافة نفسها. هذا التحول ساهم في دمقرطة الإعلام، حيث أصبح لكل شخص يحمل هاتفًا ذكيًا القدرة على أن يكون مراسلًا وصانعًا للخبر. ومع ذلك، تبقى التحديات الأخلاقية والمهنية حاضرة، مما يتطلب تطوير مناهج تدريبية تركز على تعليم الصحفيين والمواطنين على السواء كيفية استخدام هذه التقنية بطرق تعزز جودة الصحافة ومصداقيتها.
ومع هذا التحول الكبير الذي أحدثته صحافة الموبايل في عالم الإعلام، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن لهذه الظاهرة أن تجمع بين سرعة نقل الأخبار ودقتها في ظل التحديات التي تواجهها من انتشار المعلومات المضللة وغياب التحقق أحيانًا؟ إن التوازن بين تلبية حاجات الجمهور المتعطش للمعلومة الفورية والحفاظ على معايير الصحافة التقليدية يشكل تحديًا كبيرًا. فهل يمكن أن تصبح صحافة الموبايل نموذجًا يجمع بين المصداقية والابتكار، أم أن سرعتها ستظل تأتي أحيانًا على حساب الحقيقة التي تبقى جوهر العمل الصحفي؟.