صباح فارسي – كاتبة وأديبة ولها العديد من الإصدارات الأدبية والقصصية
في ذكرى ملتقى فرسان الشعري الثالث، كُنَّا في جزيرة الشعر والحب والسحر “فرصان”، كما يسمّيها أهلها، بدأت الرحلة كأنها دعوة من جهة رسمية جمعية الأدب، تمثلت في الكريم الشاعر والابن البار لفرسان عبدالله مفتاح، تحت رعاية هيئة الأدب والترجمة والنشر.
بدأت باستقبالنا بتعليق أكاليل الفل على صدور كل القادمين لتلك التظاهرة الشعرية، وتقديم الورود والقهوة السعودية، مع ابتسامة الحب والفرح بلقاء الجميع، ثم أصبحت أيام العصر الجاهلي، حيث يطغى الشعر ولا شيء سوى الشعر يمسك بتلابيب الروح، ولا يتركها حتى تسمع الجالس يردّد “الله.. الله”.
كانت أيام تستمع فيها لشعر أسامة تاج السر فتحلق نحو الخلود، ويرتفع بك داوود التيجاني لعالم السحر خاصته ويبقيك في علياء الشعر، ثم يطوف بك نوفل السعيدي، فتهجر الزمان والمكان وتعيش قصة عشقه، وتأتي سوسنة البحرين سوسن دهنيم من عرش الماء وتهدينا لؤلؤ الشعر.
٢٧ شاعرا من 12 دولة، حشدونا في بوتقة السحر والجنون والحب، إذ اجتمعت ملائكة الشعر وجن القصيدة وإنسان السلام، في تلك الساحرة فرسان جنية تعلم الحب؛ ما إن تشعر بك تلمس رمالها حتى تقوّض كل حزنك، وجعك، تعبك وتعيد لك الضحكة والفرحة والبهجة، تعيدك لسيرتك الأولى بسيطا، محبا، فاتحا صدرك للشعر، ليستقر في قلبك قبل سمعك.
كان مهرجان الهدوء الصاخب، سواءً في الأمسيات الشعرية والغنائية، وما تخللها من رحلات بحرية ووجبات، قدّمت بسخاء وكرم غير مستغرب، وحفلات غنائية طربية وطلالية وموسيقية، لقد أسرونا بالإحسان إلينا قولا وفعلا، لذلك انسكبت قلوبنا جميعا شعرا وفرحا وحديثا.
شاركت في الأمسية الشعرية الخامسة وبإدارة الشاعر الدكتور أحمد علوش، كنت أول من بدأها، ثم رجا القحطاني/ الكويت، فهد النمر/ السعودية، نوفل السعيدي/ المغرب، خالد قماش/ السعودية.
تنقّلت أجسادنا وأرواحنا بين “فندق بارك فرسان” إلى “شاطئ زيعة” وغابات المانجروف حيث ينعقد اللسان ويلهج القلب بالشكر لخالق الجمال، تطالع صغار البجع الهادئ، تلاحق صغار النوارس السائرة في أرجاء الجزيرة تطالع صغار الدلافين القافزة بفرحة.
ثم توقّفت بنا المراكب إلى رمال بيضاء تشهد بأن أقدامنا لمستها إلى قرية “القصار” حيث التاريخ والبئر، حصباء القواقع، الماضي القديم وقصص عن العادات والتقاليد السائدة في وقت مضى، وظل عطره في أرجاء القرية الواغل في القدم، تبعته بزيارة متحف الأستاذ الأب الكبير إبراهيم مفتاح، الذي يحكي لك حكايات عن تاريخ المكان، لنتعرف عن كثب على إنسان المكان من عشق هذه الجزيرة وترك فيها آثارا ليقول كنت هنا، ثم لجسر الشمس وهناك غرقنا في الغروب حتى آخر الحمرة، ثم لشاطئ “عشة مغرم”، وكيف لا تغرم وقد هطل الجمال عليك وطوق أحاسيسك!
وعندما غادرناها لم تغادرنا، لوحت أيدينا، بقيت قلوبنا، ولقد أخذت معي قنينة من رمالها البيضاء ومحارة لؤلؤة، لعلّني أنقش بداخلها اسم فرسان كما نقش في صدري حبها.