فيصل الحمد- خبير استراتيجي وعسكري
يتسم المجتمع السوري بتنوع استثنائي، حيث يتألف من مجموعة واسعة من الأعراق والطوائف التي شكّلت فسيفساء غنية على مر العصور. الأغلبية السكانية في سوريا هم من المسلمين السنة، إلى جانب طوائف أخرى مثل الشيعة والعلويين والمسيحيين، بالإضافة إلى أعراق متعددة تشمل العرب، الذين يشكّلون النسبة الأكبر، إلى جانب الأكراد والتركمان والدروز وغيرهم.
مع اندلاع الأحداث في عام 2011، برزت أزمة اجتماعية عميقة تتجاوز الحدود الجغرافية، حيث نزح أكثر من نصف السكان، وهاجر مئات الآلاف إلى الدول المجاورة أو الغربية. وأدى هذا النزوح الجماعي إلى خلق بيئة اجتماعية متأثرة بتعددية ثقافية لم تكن مألوفة سابقًا، مما أضاف بُعدًا جديدًا إلى الأزمة السورية.
في الداخل السوري، وبالأخص في الشمال، كان للثقافة التركية تأثير واضح على المهجّرين، نتيجة التعامل المباشر مع المنظمات التركية وقرب الحدود، واعتماد العملة واللغة التركية في التعاملات اليومية. أما من لجأ إلى الدول العربية، فقد كانت الفجوة الثقافية أقل حدة، كون سوريا جزءاً من العالم العربي، إلا أن الظروف الصعبة في المخيمات داخل سوريا وخارجها أفرزت جيلاً جديداً يعاني من نقص في التجارب الحضارية والمعرفة. في المقابل، تمكن البعض من كسر هذه الدائرة من خلال فرص التعليم التي وفرت لهم أفقًا جديدًا بعيدًا عن أجواء الحرب.
أما السوريون الذين هاجروا إلى الدول الصناعية الغربية، فقد حققوا تقدماً ملحوظاً على مستوى المهارات والمعرفة التقنية، مما يعزز من قدرتهم على لعب دور في إعادة إعمار وطنهم مستقبلاً. ومع ذلك، تبقى عودتهم مرهونة بتحقيق شروط معيشية واقتصادية تضمن لهم مستوى حياة كريماً، لا سيما في ظل المناصب التي يشغلونها في الدول المضيفة والعلاقات التي كوّنوها على مدار سنوات المهجر.
وعلى الصعيد الداخلي، لا تزال التحديات العرقية والطائفية تعيق استقرار سوريا. ففي الشرق، تواجه المفاوضات بين الأكراد وقيادة العمليات العسكرية عراقيل عديدة، إلى جانب الصراع المستمر مع الجيش الوطني السوري. أما في الغرب، فتظل مواقف الطائفة العلوية متباينة بين خطاب تصعيدي يعبّر عن التحدي، وخطاب آخر يدعو إلى الوحدة الوطنية. وفي الجنوب، يسعى الدروز إلى ضمان حقوقهم وسلامتهم وسط وعود تقدمها القيادة الحالية في سوريا. وبينما تبقى خلايا تنظيم “داعش” مصدر تهديد في الوسط السوري، ويستمر الجيش الوطني السوري في بسط سيطرته على الشمال، مما يزيد من تعقيد المشهد.
رغم التحديات السياسية والاجتماعية، تبقى الأولوية القصوى هي تحقيق السلام وترسيخ التعايش بين أطياف المجتمع السوري. وحدها المصالحة الوطنية والتفاهم العميق بين مختلف الأعراق والطوائف يمكن أن يضمن استقرار سوريا ويعيد إليها وحدتها التي مزقتها سنوات طويلة من الصراع. ففي النهاية، يتطلب إعادة بناء سوريا جهدًا جماعيًا يشارك فيه الجميع بلا استثناء، ليكون هذا التنوع الفريد مصدر قوة لا نقطة انقسام.