الدكتور فيصل الشمري- كاتب ومحلل سياسي مختص بالشأن الأمريكي
يُعَدُّ النموذج السياسي لدونالد ترمب نموذجًا مثيرًا للجدل في السياسة، إذ يقوم على توقعات مفرطة وغير واقعية. وهو نموذج مستمد من مسيرته الطويلة في عالم الأعمال، حيث يعتمد على الضغط النفسي والدبلوماسي على الطرف الآخر، مما يدفعه إلى تقديم تنازلات لم تكن ممكنة في ظروف أخرى. وقد أثبت هذا النموذج فعاليته في بعض الحالات، لكنه في الوقت ذاته قد يشكل خطورة كبيرة، إذ يمكن أن يؤدي إلى تدمير العلاقات الدولية وإثارة حالة من الاستقطاب الواسع.
المطالبات المبالغ فيها: مبدأ أساسي
لم يكن ترمب الوحيد الذي استخدم مثل هذه الممارسات السياسية، لكنه جعلها حجر الأساس في منهجيته التفاوضية. يقوم هذا الأسلوب على طرح مطالب غير معقولة تصدم الطرف المقابل، مما يدفعه إلى إعادة التفكير وتقديم تنازلات في محاولة يائسة لدفع المفاوضات في الاتجاه المرغوب. ومن بين أبرز الأمثلة على هذه الممارسات:
1. ضم كندا إلى الولايات المتحدة:
هذه المطالبة تبدو أشبه بحلم مثالي وسيناريو خيالي، حيث إن كندا دولة مستقلة وذات سيادة، وطرح مسألة ضمها يبدو وكأنه فكرة غير قابلة للتنفيذ.
2. السيطرة على قناة بنما:
هذا المطلب يُعَدُّ استرجاعًا لممارسات استعمارية مرفوضة بموجب القوانين الدولية الحديثة. فاليوم، تُدار قناة بنما وفقًا لاتفاقيات دولية تحترم سيادة الدولة المضيفة.
3. شراء غرينلاند:
من بين أكثر تحركات ترمب جرأة وإثارة للدهشة، كان إعلان رغبته في شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك، وهو ما قوبل بسخرية واسعة ورفض قاطع من الحكومة الدنماركية.
4. تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”:
رغم أن هذا الطرح قد يبدو إيجابيًا في مظهره، إلا أنه يتجاهل أن أي تنمية في غزة لا يمكن أن تتم على حساب الحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
رؤية ترمب تجاه غزة
في ظل الأزمات المستمرة في المنطقة، ظهرت تقارير تفيد بأن إدارة ترمب أو شخصيات تتبنى نهجه فكرت في ترحيل سكان غزة إلى مصر أو الأردن. مثل هذه الطروحات تتماشى مع أسلوبه القائم على تقديم إنذارات متطرفة لإرغام الأطراف المعنية على الاستسلام، لكنها تتجاهل الأبعاد السياسية والإنسانية للقضية. في الواقع، تؤدي مثل هذه الأفكار إلى تعقيد الأزمة بدلًا من حلها، إذ إنها مرفوضة تمامًا على مستوى الدول العربية، وتُعتبر محاولة للقضاء على القضية الفلسطينية.
دور المملكة العربية السعودية: دبلوماسية قائمة على المبادئ
في خضم هذه التوترات السياسية، تظل المملكة العربية السعودية ركيزة ثابتة في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. فمنذ الأيام الأولى لدعمها القضية الفلسطينية، أكدت المملكة موقفها المبدئي في جميع المحافل الإقليمية والدولية.
وفي تصريحاتها الأخيرة، أكدت السعودية بشكل قاطع أن القضية الفلسطينية ليست محل تفاوض ولا يمكن التنازل عنها تحت أي ظرف. وقد شددت المملكة على أن السلام الدائم في المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. كما أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مرارًا أن حقوق الفلسطينيين غير قابلة للمساومة، وأن المملكة لن تتراجع عن دعم القضية الفلسطينية في مواجهة أي محاولات للالتفاف عليها أو تصفيتها.
مقارنة بين منهجين: التصعيد مقابل الاستقرار
في حين يعتمد ترمب على التصعيد والمطالبات المبالغ فيها لتحقيق أهدافه، تسلك السعودية نهجًا مغايرًا تمامًا يقوم على التوازن والالتزام بالقانون الدولي. يعكس هذا التباين اختلافًا جوهريًا في أسلوب إدارة العلاقات الدولية؛ فبينما يسعى ترمب إلى تحقيق انتصارات سريعة من خلال فرض شروط غير قابلة للتنفيذ، تعمل السعودية على تقديم حلول مستدامة تستند إلى الشرعية الدولية.
تأثير التوقعات المبالغ فيها
لا شك أن أسلوب ترمب في طرح الإنذارات غير الواقعية يحمل تداعيات طويلة الأمد على المستوى الدولي. ففي بعض الحالات، قد ينجح في إجبار الأطراف الأخرى على تقديم تنازلات، لكنه في معظم الأحيان يؤدي إلى تصعيد التوتر وتعقيد الأزمات القائمة. فعلى سبيل المثال، المطالبة برحيل الفلسطينيين عن أراضيهم أو التخلي عن حقوقهم تتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وتؤدي إلى خلق أزمات جديدة بدلًا من حل النزاعات القائمة.
السعودية كصوت للعقلانية
في هذا السياق، تمثل المملكة العربية السعودية صوتًا للعقلانية وعدم التصعيد. فمن خلال التمسك بالمعايير الدولية وحماية الحقوق الفلسطينية، تثبت المملكة أنها لاعب دولي مسؤول يسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. ولا يعكس هذا الموقف التزام السعودية بالقضية الفلسطينية فحسب، بل يعبر أيضًا عن حرصها على استقرار المنطقة والعالم بأسره.
الخاتمة
إن عقيدة ترمب التفاوضية، القائمة على التضخيم والمطالبات غير الواقعية، تمثل تحديًا جوهريًا لأعراف الدبلوماسية التقليدية. فرغم أنها قد تحقق مكاسب فورية، إلا أنها تفشل في تحقيق تسويات طويلة الأمد. في المقابل، تؤكد المملكة العربية السعودية أن الالتزام بالمبادئ واحترام الشرعية الدولية هما الأدوات الأكثر فاعلية في الدفاع عن الحقوق وتحقيق السلام. ومن خلال موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية، تقدم السعودية نموذجًا مثاليًا للدبلوماسية القائمة على العدالة والمبادئ، متجاوزة أي اعتبارات أخرى.