أماني بنت أحمد العقالي
إدارة تعليم الرّياض
باحثة دكتوراة بجامعة الإمام محمد بن سعود
مهتمة بسياسات الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة في التعليم
حين انطلق “ليب” من قلب المملكة، لم يكن مجرد حدثٍ تقني، بل إعلانًا عالميًا بأن المستقبل لم يعد ينتظر أحدًا. كان “ليب” بمثابة منصة، ليس فقط لاستعراض أحدث الابتكارات، بل لإعادة تعريف دور التكنولوجيا في حياة الإنسان، ورسم خارطة جديدة لمستقبل يقوده الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء. لكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه الآن: ماذا بعد “ليب”؟ هل انتهى الحدث أم أننا دخلنا رسميًا في عصر جديد تقوده المملكة نحو مستقبل رقمي بلا حدود؟.
ما بعد “ليب” لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة، بل أصبح شريكًا في كل جوانب الحياة، من الصحة إلى التعليم، ومن الاقتصاد إلى الأمن السيبراني. الشركات التي استعرضت تقنياتها في المؤتمر لن تعود إلى مقرّاتها كما كانت، بل ستبدأ سباقًا عالميًا لتطبيق هذه الرؤى وتحويلها إلى واقعٍ ملموس. المملكة، التي كانت منصة لإطلاق هذا الحدث، باتت اليوم في قلب المشهد التكنولوجي العالمي، ومركزً رئيسيًّا للابتكار الرقمي في العالم.
أما في التعليم – الذي كان أحد المحاور الرئيسية في “ليب” – لن يكون الذكاء الاصطناعي خيارًا، بل ضرورة. ستصبح الفصول التفاعلية الذكية واقعًا، والمعلمين شركاء في بيئة ذكية، والمناهج تتشكل وفق احتياجات كل طالب. سنتجاوز نمط التعليم الموحّد، وسنصل إلى تجربة تعليميّة تفهم الطالب قبل أن يفهمها، تستشعر نقاط قوته قبل أن يكتشفها، وتدعمه في نقاط ضعفه قبل أن يتعثر.
ما بعد “ليب” هو اختبار عالمي، حيث الدول التي ستتبنى هذه الثورة التقنية بذكاء ستقود المستقبل، بينما ستتأخّر الدول التي لا تزال ترى التكنولوجيا كأداة ثانوية. المملكة، بفضل استثماراتها الضخمة في الابتكار، لم تعد مجرد مستهلكة للتقنية، بل أصبحت مُنتِجة وصانعة للمستقبل.
ما بعد “ليب” ليس مجرد مرحلة، بل اختبار عالمي: هل سنستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة لتمكين الإنسان، أم أنه سيتحول إلى عقلٍ بديل يفكر نيابة عنّا؟ هل سنقود التكنولوجيا، أم سنتركها تقودنا؟ في هذا السباق، الفارق بين القائد والتابع ليس من يملك الأدوات الأكثر تطورًا، بل من يستطيع أن يوظّفها ليصنع شيئًا جديدًا.
مؤتمر “ليب” كان البداية، أما المستقبل، فلا يزال صفحةً لم تُكتب بعد. السؤال الحقيقي لم يعد “إلى أين وصلنا؟”، بل أصبح السؤال “إلى أين سنأخذ هذه الثورة التقنية؟”. والمستقبل، سيكون لمن يملك الشجاعة ليعيد تعريفه بدلًا من أن يكتفي بمراقبته.