تشهد صناعة السيارات في الولايات المتحدة حالة من الترقب والقلق في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن حزمة من الرسوم الجمركية الجديدة، التي تهدف إلى إعادة هيكلة النظام التجاري الدولي، لكنها في الوقت ذاته تثير مخاوف عميقة في أوساط المصنعين المحليين.
ومع تصاعد التوترات التجارية، باتت الشركات الأمريكية تواجه تحديات متزايدة، من ارتفاع تكاليف الإنتاج إلى اضطرابات محتملة في سلاسل التوريد.
وتجلت أولى تداعيات هذه السياسة الجديدة في فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات الصينية، وهي خطوة ضربت قطاع السيارات في الصميم، باعتبار الصين مورداً رئيسياً لقطع الغيار الأساسية.
وتبع ذلك قرارٌ بفرض رسوم بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم، اعتباراً من 12 مارس المقبل، ما سيزيد الأعباء المالية على الشركات المصنعة.
وفي هذا السياق، حذر جيم فارلي، الرئيس التنفيذي لشركة فورد، قائلاً: “الضغوط تتزايد تدريجياً، جزء هنا وجزء هناك، لكنها في النهاية ستكون مؤثرة بشكل كبير”.
ولا تزال التغييرات مستمرة؛ إذ أعلن ترمب مؤخراً عزمه الكشف عن رسوم جمركية جديدة على السيارات المستوردة بحلول أبريل المقبل، دون تحديد نسبة الرسوم أو قائمة الدول المستهدفة.
وأثارت التوجهات الجديدة قلقاً خاصاً بشأن العلاقات التجارية مع الجارتين المكسيك وكندا، إذ تعتمد صناعة السيارات الأميركية بشكل كبير على تكامل إقليمي عززته اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) منذ تسعينيات القرن الماضي.
وحذر فارلي من أن فرض رسوم على هذين البلدين قد “يدمّر صناعة السيارات الأميركية”.
ويشارك هذا القلق خبراء اقتصاديون، من بينهم تشارلي تشيسبرو، كبير الاقتصاديين في «كوكس أوتوموتيف»، الذي أكد أن “معظم المتابعين يدركون خطورة الأمر، لكنهم لا يعتقدون أن ترمب سيمضي قدماً في هذه الإجراءات الصارمة”.
ولا تقتصر الانعكاسات السلبية للرسوم الجمركية على الشركات الأميركية فقط؛ فالمصانع الأجنبية التي تعتمد على الإنتاج في أميركا الشمالية، مثل هوندا، ستجد نفسها في مأزق مماثل.
وتشير بيانات غلوبال داتا إلى أن هوندا لم تستورد أي سيارات من اليابان إلى السوق الأميركية في عام 2024، ما يبرز اندماج الشركات العالمية في هذا النظام التجاري الإقليمي.
في المقابل، ترى إدارة ترامب أن الرسوم الجمركية ليست مجرد أداة لزيادة الإيرادات، بل استراتيجية تهدف إلى دفع الشركات العالمية لتوسيع مصانعها داخل الولايات المتحدة.
وفي وثيقة رسمية، أشار البيت الأبيض إلى الفارق في الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث تفرض بروكسل 10% على السيارات المستوردة، مقابل 2.5% فقط في الجانب الأميركي.
ويرى جيف شوستر، نائب رئيس الأبحاث العالمية لدى غلوبال داتا، أن هذا التفاوت يمنح واشنطن مبرراً للمطالبة بإعادة التوازن، لكنه في الوقت ذاته قد لا يكون مكلفاً بالنسبة لأوروبا، نظراً لانخفاض الإقبال على السيارات الأميركية في الأسواق الأوروبية.
ومع احتدام المواجهة التجارية، تجد شركات السيارات نفسها أمام تحديات استثمارية معقدة، إذ تحتاج قرارات بناء المصانع أو توسيعها إلى رؤية واضحة تمتد لسنوات.
وفي ظل التذبذب الحالي، يصبح من الصعب وضع خطط إنتاجية تتماشى مع الأسواق العالمية.
كما أن التراجع عن دعم السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة يضيف مزيداً من الضبابية، خاصة مع تسابق أوروبا والصين نحو التحول إلى الطاقة النظيفة.
وفي هذا السياق، يختتم شوستر بقوله: من غير الفعّال أن تتبنى الشركات استراتيجيات مختلفة لكل سوق، ما يجعل التغيرات المفاجئة في السياسة التجارية تحدياً كبيراً للقطاع.