تسعى السعودية إلى تعزيز مكانتها كقوة رائدة في مجال ابتكار البطاريات، مستفيدةً من مواردها الطبيعية الغنية واستثماراتها الاستراتيجية في المعادن المرتبطة بمرحلة التحول في الطاقة، وفق لخبراء.
وتعتمد السعودية على احتياطياتها الوفيرة من الكبريت، الذي يُعد من المنتجات الثانوية لصناعة النفط، إلى جانب تزايد إنتاج الليثيوم، ما يمهد الطريق لإنشاء منظومة متكاملة لتصنيع البطاريات تتماشى مع مستهدفات رؤية 2030.
وتطمح المملكة إلى توليد 50% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2030، ما يتطلب حلولًا متقدمة لتخزين الطاقة، وفقا لموقع قناة العربية الإنجليزية.
ويُعد الليثيوم أحد العناصر الرئيسية في هذا التحول، حيث يُستخدم في المركبات الكهربائية وتخزين الطاقة والأنظمة المعتمدة على الطاقة المتجددة.
وقد تضاعف الطلب العالمي على الليثيوم ثلاث مرات خلال السنوات الخمس الماضية، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة تزيد على 15% سنويًا حتى عام 2035.
وفي السعودية، يُتوقع أن يرتفع الطلب بمقدار 20 ضعفًا بين عامي 2024 و2030، وهو ما يكفي لدعم إنتاج 500,000 بطارية للمركبات الكهربائية وتوليد 110 جيجاواط من الطاقة المتجددة.
وأكد ماتياس فينغلر، المدير المالي والمدير الإداري لشركة Theion الألمانية الناشئة المتخصصة في بطاريات الليثيوم-كبريت، أن إنتاج الليثيوم محليًا يمكن أن يعزز مرونة السعودية في قطاع الطاقة ويقوي موقعها في سوق الطاقة النظيفة.
وأشار فينغلر إلى أن السعودية، من خلال الاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة، يمكنها تقليل اعتمادها على المواد الخام المستوردة، ما يخفض التكاليف الإنتاجية ويعزز استقرار سلاسل التوريد. كما تدعم هذه التطورات جهود الرياض لتنويع اقتصادها، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل متقدمة في قطاع الطاقة النظيفة.
وقال فينغلر: “تُعد منطقة الخليج لاعبًا صاعدًا في التحول العالمي للطاقة، ويُمثل تزايد إنتاج الليثيوم في السعودية خطوة جوهرية نحو بناء منظومة عالمية متطورة في مجال البطاريات”.
تطوير مرافق معالجة الليثيوم
تسعى السعودية إلى تطوير مرافق معالجة الليثيوم والتقنيات المعتمدة على بطاريات الكبريت، ما يعزز مكانتها كمورّد رئيسي للأسواق الإقليمية والعالمية. وتتوافق هذه الطموحات مع استراتيجية شركة Theion، خاصة مع توسع المملكة في إنتاج الليثيوم من خلال شراكات رئيسية، مثل “أرامكو” و”معادن”.
وكانت “أرامكو” و”معادن” قد أعلنتا في يناير 2025 عن إطلاق مشروع مشترك لاستكشاف المعادن والتعدين في السعودية، مع التركيز على المعادن المرتبطة بمرحلة التحول في الطاقة، مثل الليثيوم.
وأضاف فينغلر: “لا تُسهم هذه الشراكة فقط في تعزيز قاعدة الموارد في المنطقة، بل تمثل أيضًا دفعة استراتيجية نحو ريادة الجيل القادم من حلول تخزين الطاقة”.
وتعمل Theion أيضًا على توسيع نطاق عملياتها داخل المملكة، مع خطط لإنشاء منشآت تصنيع محلية للاستفادة من توافر الكبريت في المنطقة والبيئة الاقتصادية المواتية.
وأوضح فينغلر: “نركز على بناء قدرات تصنيع داخل دول مجلس التعاون الخليجي للاستفادة من موارد الكبريت في المنطقة، وخلق نواة لإنتاج محلي يمتد تأثيره عالميًا”.
تُعد تقنية بطاريات الليثيوم-كبريت التي تطورها Theion بديلاً اقتصاديًا ومستدامًا للبطاريات التقليدية التي تعتمد على التعدين المكثف للموارد. وتستخدم هذه البطاريات الكبريت، وهو منتج صناعي متاح بكثرة، مما يجعلها خيارًا صديقًا للبيئة.
وأشار فينغلر إلى أن “إعادة تدوير الكبريت، وهو ناتج ثانوي للصناعات الأخرى، يقلل بشكل كبير من الأثر البيئي لتصنيع البطاريات، ويدعم مبادئ الاقتصاد الدائري”.
بدمج إنتاج الليثيوم المتزايد في المملكة مع فائضها من الكبريت، ترى Theion فرصة واضحة للسعودية لتصبح لاعبًا رئيسيًا في صناعة البطاريات.
وقال فينغلر: “نعمل على تطوير خلايا بطاريات ببراءة اختراع، تتيح تخزين طاقة أكبر بثلاث مرات مقارنة بالبطاريات التقليدية، مع توفير أمان أعلى وكفاءة تكلفة محسنة”.
ويمثل هذا الابتكار دفعة كبيرة لاعتماد المركبات الكهربائية، وتحسين حلول تخزين الطاقة الثابتة، وحتى تطوير تقنيات تنقل جديدة، مثل الطيران الكهربائي، وهو أمر ذو أهمية خاصة للسعودية التي تخطط لإنتاج 500,000 مركبة كهربائية سنويًا بحلول 2030.
كما أطلقت المملكة مؤخرًا “مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات”، وهو مركز مخصص لإنتاج المركبات الكهربائية، في خطوة تؤكد التزامها بتطوير القطاع.
وأشار فينغلر إلى أن “دمج بطاريات الليثيوم-كبريت عالية الأداء في المركبات الكهربائية المنتجة محليًا يمكن أن يؤدي إلى تحسين مدى القيادة، وخفض التكاليف، وزيادة كفاءة الطاقة”.
وأضاف: “مع توسع تقنيات التنقل الكهربائي، فإن تعزيز البطاريات عالية الكثافة في مركز تصنيع المركبات يمكن أن يعزز دور المملكة في قطاع النقل القائم على الطاقة النظيفة”.
تنمية النظام البيئي العميق للتكنولوجيا في السعودية
إلى جانب تطوير قطاع النقل، تلتزم Theion بتنمية النظام البيئي العميق للتكنولوجيا في المملكة من خلال توفير فرص عمل وتطوير المهارات.
وأكد فينغلر أن نجاح قطاع البطاريات في السعودية يعتمد على التكنولوجيا وكذلك على تطوير الكفاءات المحلية، مشددًا على الحاجة إلى استثمارات في التعليم والتدريب وبرامج البحث العلمي.
وقال: “لتحقيق النمو الطموح، نحن ملتزمون بتطوير المواهب في جميع المستويات، من الباحثين والعلماء إلى الفنيين المتخصصين في إدارة عملياتنا”.
وأضاف أن ذلك يتضمن التعاون في الأبحاث مع الجامعات الرائدة، وإنشاء برامج تدريب داخلية لتأهيل المهنيين في المنطقة.
ومن خلال برامج التدريب والتوظيف، تسعى Theion إلى بناء قاعدة من الخبراء المؤهلين لدعم نمو قطاع البطاريات في المملكة.
السعودية على طريق الريادة العالمية في تكنولوجيا البطاريات
مع استمرار المملكة في دفع عجلة التحول نحو الطاقة النظيفة وتنويع اقتصادها الصناعي، يُمكن أن تصبح تقنية الليثيوم-كبريت حجر الأساس في استراتيجيتها للطاقة المستدامة.
واختتم فينغلر حديثه قائلاً: “بفضل الاستثمارات والسياسات الصحيحة، تمتلك السعودية إمكانات كبيرة لتصبح رائدة عالميًا في ابتكار البطاريات وتطوير الطاقة الخضراء”.
وأضاف: “المنطقة على وشك توسع كبير في قطاع البطاريات، حيث تدفع الشراكات بين الشركات الرائدة في الطاقة والتكنولوجيا والتصنيع نحو نمو طويل الأمد”.