في عالم يتأرجح بين العولمة والتفكك التجاري، ومع اشتعال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تفتح رياح التغيير باباً واسعاً أمام المملكة العربية السعودية.
فقد تجد الرياض، التي لطالما كانت عالقة بين تقلبات أسعار النفط وتحديات الرؤية الاقتصادية، في هذا النزاع فرصة لإعادة رسم موقعها على الخريطة الصناعية العالمية.
التحولات المتسارعة في النظام التجاري العالمي لا تعني فقط مخاطر جديدة، بل فرصاً ذهبية لمن يملك الشجاعة على اقتناصها، والسعودية تُدرك أن الوقت قد حان لتتحول من مصدر للنفط إلى مصنع عالمي للمواد التي يحتاجها الآخرون.
الخليج كملاذ صناعي جديد
مع تصاعد الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين، يبحث المصنعون العالميون عن أراضٍ آمنة لإنتاجهم. وفي هذا السياق، يبرز الخليج، وعلى رأسه السعودية، كوجهة جديدة جذابة، بفضل استقراره السياسي وموارده اللامحدودة.
يشير موقع middleeasteye إلى ما قاله الباحث في مركز بلفر بجامعة هارفارد، عادل حمزية، الذي أكد أن “الانتقال نحو دول مجلس التعاون الخليجي سيكون متسارعًا مع تصاعد الرسوم”، مشيرًا إلى أن سياسات “الصديقنة” و”القربنة” (Friendshoring & Nearshoring) تعزز هذا التوجه.
هبوط النفط… وبداية الفرصة
قد يبدو الظرف الحالي غير مواتٍ لدول الخليج التي تعتمد على النفط، إذ تراجعت أسعار الخام بنسبة 16% منذ إعلان ترامب عن رسومه الجمركية الجديدة. لكن داخل هذا الهبوط تكمن فرصة سانحة؛ فكلما انخفضت الأسعار، زادت الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل.
الهدنة المؤقتة التي أعلنها ترامب لم تشمل الصين، التي لا تزال تواجه رسومًا تصل إلى 145%، ما يجعل منتجاتها أقل قدرة على المنافسة في السوق الأمريكية، ويمنح السعودية فرصة لتعويض هذا النقص.
رسالة إلى البيت الأبيض
ترى الخبيرة في الطاقة إلين والد أن المملكة يجب أن تبادر سريعًا وتخاطب واشنطن بالقول: “أخبرونا ماذا كانت توفر لكم الصين.. وسنصنعه نحن”. هذا الطرح يتماشى مع خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتقليص الاعتماد على النفط وتعزيز الصادرات غير النفطية.
وزير الاقتصاد السعودي، فيصل الإبراهيم، صرّح أواخر عام 2024 بأن المملكة تسعى إلى جعل القطاعات غير النفطية قاطرة الاقتصاد. وفي مارس، سجلت الصادرات غير النفطية نموًا بنسبة 13% مقارنة بالعام السابق.
مزايا تنافسية
بالمقارنة مع أوروبا والولايات المتحدة، تقدم السعودية بيئة تصنيع مغرية بفضل توفر الطاقة الرخيصة، وغياب القيود التنظيمية، والمساحات الواسعة غير المستغلة. هذا يجعل من المملكة مرشحة قوية لاستقطاب الصناعات التي تحتاج إلى تكاليف تشغيل منخفضة.
من الأمثلة على ذلك صناعة الألمنيوم، حيث تشكل منطقة الخليج بالفعل 16% من واردات الولايات المتحدة من هذا المعدن. ومن المتوقع أن تتوسع هذه الحصة مع تراجع الواردات الصينية.
البتروكيماويات في الصدارة
المجال الأكثر جاهزية للصناعة في السعودية هو البتروكيماويات، وهي مشتقات النفط التي تدخل في صناعة الأسمدة، البلاستيك، المنظفات، والورق. هذا القطاع الذي تسعى المملكة لتطويره منذ سنوات قد يشهد قفزة نوعية بفعل المتغيرات العالمية.
يرى الخبراء أن انخفاض كلفة الطاقة في الخليج يمنح المنتجات البتروكيماوية السعودية ميزة تنافسية، خصوصًا إذا ما تم توجيهها إلى الأسواق التي فقدت الوصول إلى السلع الصينية.
السوق الخليجية
في المقابل، لا تخلو الصورة من التحديات. فمع إغلاق السوق الأمريكية أمام السلع الصينية، من المتوقع أن تُغرق هذه الأخيرة الأسواق الخليجية بمنتجات أرخص سعراً، مما يضع ضغوطاً على المنتجين المحليين.
غير أن هذا التحدي قد يحمل في طياته ميزة، إذ يدفع صناع القرار الخليجيين إلى تحسين جودة التصنيع وزيادة القدرة التنافسية على المستوى الإقليمي والعالمي.