خاص – الوئام
منذ توليه الرئاسة، لم يمر أسبوع تقريبًا دون أن يُدلي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات حول الأسلحة النووية. وصفها في مقابلة مع فوكس نيوز بأنها “وحوش ضخمة” و”أعظم تهديد وجودي للبشرية”، متسائلًا عن جدوى إنفاق المليارات على أسلحة لا يمكن استخدامها دون إنهاء العالم بأسره. وفي هذا التوجه، رغم فوضوية إدارته، يكمن أمل في تحريك عجلة الحد من التسلح النووي عالميًا.
في الوقت الراهن، حسب ما نشرت مجلة فورين آفيرز الأمريكية فإن اتفاق “ستارت الجديدة” الموقّع عام 2010 هو آخر ما تبقى من المعاهدات النووية بين واشنطن وموسكو. هذا الاتفاق، يحدد عدد الرؤوس النووية والصواريخ وقاذفات الإطلاق التي يمكن لكل طرف استخدامها، ويشمل آليات للتحقق. لكنه على وشك الانتهاء في فبراير 2026، وقد أضعفته فعليًا انسحابات روسيا منذ الهجوم الشامل على أوكرانيا عام 2022، بعد أن ربط بوتين استمرار الاتفاق بالموقف الأمريكي تجاه دعم كييف.
الصين تدخل المعادلة النووية بقوة
على الجانب الآخر، تواصل الصين تطوير ترسانتها النووية بوتيرة متسارعة. فبعد أن كانت تملك عددًا محدودًا من الرؤوس، أصبحت تمتلك أكثر من 500 رأس نووي، وتبني الآن قدرة نووية ثلاثية تشمل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وصواريخ بحرية، وطائرات استراتيجية. ووفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، قد يصل عدد الرؤوس النووية الصينية إلى 1500 بحلول عام 2035، بينما ترفض بكين الحوار مع واشنطن حول هذا التوسع.
هذا التطور ينذر بمرحلة جديدة، حيث قد تواجه الولايات المتحدة قوتين نوويتين متقاربتين من حيث الحجم والقدرة: روسيا والصين. وإذا تحالفتا، يمكن أن يشكلا تهديدًا بضربة أولى لا تملك واشنطن ما يكفي من الأسلحة للرد عليها، مما يقوض ميزان الردع ويهدد الاستقرار العالمي.
فرصة نادرة لإعادة التفاوض
رغم خطورة الوضع، إلا أن فرص الحوار ليست معدومة. فعلى العكس من مجالات الخلاف الأخرى، مثل الاقتصاد أو السياسة، يبقى السلاح النووي نقطة يمكن البناء عليها في العلاقات مع موسكو وبكين. إذا تمكنت إدارة ترامب من استئناف الحوار النووي مع روسيا، وفتح قنوات جديدة مع الصين، قد تتجنب الدول الثلاث الانزلاق نحو سباق تسلح نووي مشابه لما كان في الحرب الباردة.
الملفت أن ترامب، منذ الثمانينيات، أبدى اهتمامًا شخصيًا بالملف النووي، حتى أنه طلب من الرئيس ريغان تعيينه كبير مفاوضين في محادثات نزع السلاح مع الاتحاد السوفيتي. ورغم فشله في التوصل إلى اتفاقات مع كوريا الشمالية أو روسيا والصين خلال ولايته الأولى، إلا أنه لا يزال يرى هذا الملف كأولوية، وصرّح بأن اللقاء مع بوتين وشي جين بينغ حول التسلح النووي سيكون “أول اجتماع يريد عقده”.
استراتيجيتان مختلفتان
بينما تسعى واشنطن إلى استعادة التكافؤ مع روسيا، فإن التعامل مع الصين يتطلب نهجًا مغايرًا. فبكين ليست بعد نداً نووياً، لكنها تتطور بسرعة. الهدف هنا ليس الحد من الحجم فقط، بل بناء تفاهمات تضمن الشفافية وتقلل خطر سوء التقدير النووي. لا بد من إشراك الصين في حوار طويل الأمد حول الاستقرار، لتفادي الدخول في سباق تسلح لا جدوى منه.
أما مع روسيا، فالقنوات لا تزال قائمة، والخبرة التفاوضية تمتد لستة عقود. حتى في أحلك لحظات الحرب الباردة، حافظ الطرفان على الحوار النووي، وأدركا أن الأسلحة النووية تهدد بقاء البشرية. وحتى بعد غزو القرم عام 2014، استمر تنفيذ اتفاق “ستارت”. التغير الحقيقي جاء بعد اجتياح روسيا الثاني لأوكرانيا عام 2022، حين علقت موسكو الاتفاق، لكنها لم تغلق الباب تمامًا.
إحياء “ستارت” مؤقتًا واستبعاد التصعيد
في فبراير 2025، لمح بوتين إلى إمكانية استئناف المحادثات، مُذكّرًا بانتهاء صلاحية الاتفاق في 2026. كما أشار نائب وزير الخارجية الروسي إلى نبرة جديدة في واشنطن منذ عودة ترامب، مما قد يفتح بابًا للتفاوض. وحتى لو لم يُتوصل إلى اتفاق جديد قبل الموعد المحدد، يمكن للطرفين الاتفاق على الاستمرار طوعًا في احترام القيود الحالية، كما حدث سابقًا مع اتفاقية “سالت 2” في الثمانينيات.
ومن المهم أن تتعهد الدول النووية الأخرى كالصين وبريطانيا وفرنسا بعدم استغلال أي فراغ في المعاهدة لبناء ترسانات جديدة أو نشر أنظمة غير مستقرة.