احتفلت إذاعة “صوت الخليج” القطرية بعودة الفنانة السعودية ابتسام لطفي إلى الساحة الفنية بعد غياب دام أكثر من 25 عامًا، تحت إشراف مدير الإذاعة محمد المرزوقي.
وأجرت الإذاعة حوارًا خاصًا مع ابتسام لطفي ضمن برنامج “سهرة خاصة”، استمر لساعتين وتخللته مداخلات من فنانين وجمهور عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي.
من هي ابتسام لطفي؟
ابتسام لطفي، واسمها الحقيقي خيرية قربان عبد الهادي، وُلدت عام 1951 في مدينة الطائف، السعودية. نشأت بين أجواء دينية وثقافية ساعدتها على تعلم تجويد القرآن منذ طفولتها، ما أكسب صوتها صلابة ورخامة نادرتين. ورغم فقدانها البصر في سن مبكرة بسبب مرض مزمن، واصلت شغفها بالغناء.
في بداياتها، أبهرت الحضور في المجالس النسائية بأداء أغنيات أم كلثوم وشادية، إلى جانب إحياء حفلات الأفراح بتراث الحجاز الغنائي. وخلال مسيرتها تعاونت مع كبار رواد الأغنية السعودية.
رغم أنها فقدت بصرها بسبب مرض مزمن في سن مبكرة، إلا أن ذلك لم يمنعها من تحقيق نجاحات كبيرة في عالم الغناء، استطاعت تحويل التحديات إلى مصدر قوة.
محطات حاسمة في مسيرتها
عرفت الفنانة ابتسام لطفي طريقها إلى الشهرة عام 1968 حين أصبحت واحدة من أوائل الأصوات النسائية التي تبث أغنياتها عبر الإذاعة السعودية. في ذلك الوقت، كانت موهبتها حديث المجالس، حتى وصلت أخبار صوتها العذب إلى مسامع الملك فيصل، الذي طلب لقاءها تقديرًا لما سمع عنها من تميز.
وكان أول أعمالها الإذاعية قصيدة “عبير” من كلمات الشاعر أحمد قنديل وألحان الموسيقار الراحل عمر كدرس، تلتها أغنية “نام القمر بدري” التي عززت مكانتها في الساحة الغنائية، ولفتت الأنظار إلى موهبة استثنائية تستحق المتابعة.
مع نهاية الستينيات، انتقلت ابتسام لطفي إلى مدينة جدة، حيث جمعتها الصدفة لأول مرة مع الموسيقار الكبير طلال مداح في منزله. ويُروى أن طلال، بعد أن استمع لصوتها، أطلق عليها اسم “ابتسام لطفي” قائلًا: “لعل الزمن يبتسم لك”، من تلك اللحظة، بدأت بينهما علاقة فنية وإنسانية متينة، أثمرت عن عمل غنائي بعنوان “فات الأوان” من كلمات الشاعر لطفي زيني، والذي كان أول وآخر تعاون غنائي رسمي بينهما.
وعُرفت ابتسام بحبها للأغنية العربية الفصحى وولعها بالشعر، وهو ما ظهر جليًا في تعاونها الطويل مع الأديب طاهر زمخشري، الذي اعتبرته رفيق دربها. قدما معًا قصائد مغنّاة لا تزال حاضرة في الذاكرة، أبرزها “النجوى الهامسة”، التي يُقال إن ألحانها كانت من وضع ابتسام نفسها تحت اسم مستعار هو أبو عماد.
وشمل التعاون بينهما أغنيات أخرى مثل “جسر الصبر” و”لو تسألوني”، وأسهم زمخشري كذلك في تعريفها على الشاعر الكبير أحمد رامي، الذي كانت تحلم بالغناء من كلماته.
في منتصف السبعينيات، خاضت ابتسام لطفي تجربة فنية بالغة الأهمية مع رياض السنباطي، أحد أعمدة الموسيقى العربية. ووفقًا لما روته في إحدى مقابلاتها، فإن مدير التلفزيون المصري آنذاك طلب من السنباطي تلحين عمل لها.
ورغم تردد الموسيقار المصري، الذي اشترط أن يسمع صوتها قبل أن يقرر التعاون معها، تم اللقاء. وبعد سماعه لصوتها، أبدى إعجابه الشديد واعتذر عن شكوكه، وقرر إهداءها اللحن دون مقابل، وكانت تلك التجربة من أكثر المحطات التي اعتزت بها ابتسام في مسيرتها، خاصة أنها جاءت من أحد أعظم ملحني القرن العشرين.
بقيت تلك النجاحات تتوالى حتى عام 1988، عندما قررت الفنانة السعودية وضع حد لمسيرتها بعد وفاة والدتها، التي كانت السند الأكبر في حياتها الفنية. ولأن ارتباطها العاطفي بوالدتها كان يفوق كل شيء، رأت أن استمرارها في الساحة الغنائية لم يعد ممكنًا دونها.
تكريم بيلبورد عربية لأيقونات الغناء
في يوم المرأة العالمي، أدرجت بيلبورد عربية اسم ابتسام لطفي ضمن قائمة “13 أيقونة غنائية عبر التاريخ”، إلى جانب أسماء خالدة مثل منيرة المهدية، أم كلثوم، فيروز، وصليحة.
ضمّت القائمة أسماء لفنانات لم يتم اختيارهن لموهبتهن فقط، بل لكونهن قائدات لحركة فنية غيّرت قواعد اللعبة في الموسيقى العربية. وأشارت بيلبورد عربية في بيانها إلى أن الموسيقى كانت وستظل دائمًا طريقًا للتحدي والتعبير عن الهوية والحرية.
الاعتزال والعودة
عام 1988، قررت اعتزال الساحة الفنية عقب وفاة والدتها، التي كانت سندها الأكبر. وبعد نحو 25 عامًا من الغياب، عادت عام 2013 عبر حسابها على تويتر بدعوة من أحد أفراد عائلتها، لتفاجأ بحجم التفاعل والرسائل المطالبة بعودتها، وقدمت بعدها ظهورًا خاطفًا عبر صوت الخليج وقناة روتانا خليجية، قبل أن تعود مجددًا إلى صمتها.