الدكتورة مها الجبر
دكتوراه في فلسفة الاتصال والإعلام الرقمي
حين ظهرت شبكات التواصل الاجتماعي، وقبلها web.1 كانت لمنح مساحات للأفراد بعيدًا عن المجموعة وتوجهاتها. وليظهر المرء كما يُريد بعيدًا عن أي ضغوطات اجتماعية أو فكرية، ليكون “كما هو ومثلما يُريد”. لكن مع الوقت تحوّلت هذه المساحات من ساحات للفردانية إلى ساحات تتشكل فيها مجموعات، لتصبح “قطيعًا” والصوت فيها يجب أن يكون لمجموعة واحدة أو عدد من المجموعات بتوجهات متباينة. ربما كان الهدف الرئيس من وجوده شبكات الويب تعزيز استقلال الفرد، وهذا ما يُعول عليه المرء في بداية استخدامه، لكنه يجد نفسه أمام طوفان من الجيوش الرقمية التي من الضروري أن ينضمّ إلى أحدها وإلا سيجد نفسه وحيدًا، يُعاني من الضغط بسبب الاختلاف، والذي يدوه بشكل لا واعي لينضوي تحت راية جيش من الجيوش المُحيطة. وقد وصف هذه الحالة ـ باختلاف زاوية رؤيتها ـ ستيغلر بأنها تُمهّد لشكل جديد من البربرية والذي يأخذ أبعادًا كبيرة (new form of barbarism that comes to assume gigantic proportions).
وهو وصف يبدو واقعيًا لما نراه من مُشاركات جماعيّة بدون تفكير، وهجوم مُنظّم على أناس مُحددة، وتأييد أعمى لقضايا بدون فهم.. وكُلّ ما يُمكن أن يصف البيئة الرقمية التي نعيش فيها يوميًا. وفي وسط هذه البيئة تضيع فردانية المرء؛ التي جعلت من الإنسان كيانًا مستقلًا يتصرّف كما هو بالطريقة التي يُريدها. ليجد المرء نفسه في حالة مقاومة للمحافظة على ذاته، والتعبير عنها وعن آرائه وأفكاره، وأن رغبته في ذلك مرهونة بقدرته على المقاومة وإجادتها كفنّ وليس صراع.