علي بن سليمان الدريهم
كاتب رأي مهتم بالشؤون الثقافية
ليست كل زيارة رسمية حدثًا عابرًا، وليست كل جولة ميدانية مجرّد تفقدٍ إداري. فهناك لحظات تختزن رمزية وطنية عميقة، لحظات تبوح بما تعجز عنه التصريحات، وتقول بصمتها أكثر مما تقوله البيانات. زيارة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض، إلى محافظة الخرج، واحدة من تلك اللحظات التي تتجاوز حدود الجغرافيا، وتُلامس جوهر العلاقة بين القيادة والمواطن.
في زمن التحولات الكبرى التي تعيشها المملكة، لم تعد التنمية مفهوماً تقنيًا يُقاس بالأرقام وحسب، بل أصبحت روحًا تسري في تفاصيل الوطن، من العواصم إلى المحافظات، من المراكز إلى القرى. ومع رؤية المملكة 2030، تغيّر المفهوم التقليدي للتنمية، ولم تعد القيادة تنظر للمكان بما فيه، بل بما يمكن أن يكون عليه. وهنا تتجلّى الخرج لا كمساحة، بل كقيمة.
الخرج، التي طالما عُرفت بدورها الريادي في الزراعة والإنتاج الحيواني، تثبت اليوم أن موقعها ليس في هامش المشهد التنموي، بل في عمقه. والزيارة تحمل في مضامينها اعترافًا مستحقًا بدور هذه المحافظة، وترسيخًا لحضورها في خريطة الرؤية الشاملة.
لكن الأهم من كل ما سبق، أن هذه الزيارة تُعيد التذكير بفكرة قد تبدو بسيطة لكنها عظيمة: أن القرب من المواطن لا يُمارس عن بُعد، ولا يُدار عن طريق البيانات، بل بالحضور الفعلي، بالاستماع المباشر، بالاحتكاك بالواقع. وهذا ما تجسده القيادة السعودية اليوم، في مشهد تتداخل فيه السياسة بالتنمية، وتلتقي فيه الرؤية بالمسؤولية.
لقاء أمير الرياض بالأهالي، حضوره لمنتدى الألبان، مشاركته في حفل تخريج الجامعة، كلها مشاهد ليست مجاملات بروتوكولية، بل تعبير صادق عن فلسفة قيادة ترى في كل مواطن مشروعًا للنهضة، وفي كل طالب بذرة مستقبل، وفي كل محافظة لبنة في بناء وطن لا يستثني أحدًا.
كما لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي يقوم به سمو محافظ الخرج الأمير فهد بن محمد بن سعد آل سعود، في ترجمة هذه الرؤية إلى فعل يومي، ومتابعة كل خطوة في سبيل تطوير المحافظة، بروح القائد المحلي الذي لا ينتظر التعليمات بل يسبقها بالاستباق والرؤية.
إن ما يميّز القيادة السعودية في هذه المرحلة هو التحوّل من إدارة الدولة إلى بناء مشروع وطني متكامل، لا يقوم على المركز فحسب، بل على التوازن بين الأطراف، على توزيع الفرص، وتمكين الإنسان حيثما وُجد.
ختامًا، فإن زيارة الخرج ليست عنوانًا لحدث، بل نافذة نطل من خلالها على فلسفة الحكم الراسخة في المملكة؛ قيادة لا تتغيّر في جوهرها رغم كل التحولات، لأنها تنطلق من الإنسان، وتعود إليه، وتؤمن بأنه القيمة التي لا تُقاس بثمن.