خاص – الوئام
منذ أكثر من عقد، كانت الديناميكيات الأمنية والاقتصادية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تتجه في اتجاهات متباينة.
قبل 13 عاما أشار الخبير في الشؤون الآسيوية إيفان فيغنباوم إلى أنه في حين عززت التوترات الجيوسياسية والنزعات الوطنية المتنافسة دور الولايات المتحدة كضامن للأمن، فإن صعود الصين الاقتصادي أدى إلى تكامل الاقتصادات الإقليمية بشكل أكبر مع بعضها البعض ومع الصين، مما ساعد على ابتعاد العديد من الدول عن الولايات المتحدة، كما أشار إيفان فيغنباوم في تحليلاته.
لكن هل سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة قابلة للاستمرار في ظل التغيرات الراهنة؟ وهل الضغط المتزايد من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على الحلفاء، وفرض الرسوم الجمركية، والانفصال عن الصين، يدفع المنطقة نحو اتخاذ خيار صعب بين الشرق والغرب؟
تحديات السياسة الأمريكية تجاه آسيا
حتى الآن، يبدو أن سياسة الأمن الأمريكية تجاه المنطقة لم تتأثر بشكل كبير بثورة ترمب. فوفقًا لمذكرة استراتيجية الدفاع المسربة، تظل المنطقة أولوية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
كما أن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسث في مارس الماضي إلى آسيا أظهرت مزيدًا من الطمأنينة للحلفاء، حيث ألقى خطابًا في هونولولو أكد فيه التزام الولايات المتحدة بالتعاون مع الحلفاء لمواجهة التهديدات الصينية.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت الزيارة أيضًا تحركات لتعزيز التعاون العسكري مع اليابان والفلبين.
أزمة التفكك الاقتصادي
على الرغم من الثبات النسبي في التعاون العسكري، إلا أن التطورات الاقتصادية تمثل تحديًا كبيرًا. فرض ترمب الرسوم الجمركية على الصين، والانفصال الاقتصادي عن بكين، يهدد استقرار العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وآسيا.
وبالتالي فإن تزايد تأثير الصين كأكبر شريك تجاري للعديد من دول المنطقة، في ظل تراجع دور الولايات المتحدة، يشير إلى تغير جذري في موازين القوى الاقتصادية في المنطقة. كما أن خروج الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP)يسلط الضوء على عزلة اقتصادية متزايدة.
التوازن بين التجارة والدفاع
في ظل تصاعد الضغوط التجارية، يميل ترمب إلى ربط مسائل الدفاع بالمسائل التجارية. فقد أعرب عن استياءه من أن اليابان لا تدافع عن الولايات المتحدة، مطالبًا بأن تتحمل طوكيو 3% من الناتج المحلي الإجمالي في الإنفاق الدفاعي.
هذا الموقف قد يؤدي إلى زيادة التوترات بين واشنطن وحلفائها، مما يثير تساؤلات بشأن مصداقية الولايات المتحدة كحليف موثوق به في المنطقة.
استراتيجية “الانسحاب” الأمريكية قد تدفع المنطقة نحو بكين
تشير مجلة فورين بولسي إلى أن إحدى العواقب المحتملة للسياسة الأمريكية الحالية هي أن الدول الآسيوية قد تجد نفسها مجبرة على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين، خاصة في ظل محاولات بكين لتوسيع نفوذها عبر شراكات تجارية واستثمارية جديدة.
وفي وقت تشهد فيه المنطقة توترات اقتصادية مع واشنطن، بدأت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية في البحث عن تقارب مع الصين عبر اتفاقيات تجارية ثلاثية وتعاون اقتصادي أكبر، مما يعكس تحولًا كبيرًا في أولويات المنطقة.
تراجع الدولار واستبداله بالصين
مع تزايد الشكوك بشأن القوة الاقتصادية الأمريكية تحت إدارة ترمب، هناك مؤشرات على أن دولًا في آسيا قد تبدأ في النظر إلى الصين كبديل اقتصادي أكثر استقرارًا.
هذه التحولات قد تؤدي إلى تقليص دور الدولار في التجارة الإقليمية، وهو ما قد يساهم في تراجع الهيمنة الأمريكية الاقتصادية العالمية، بينما تسعى الصين إلى تعزيز مكانتها في النظام المالي الدولي.