تعيش منطقة الباحة هذه الأيام عودة خضراء مبهجة، حيث بدأت العديد من النباتات والشجيرات البرية النادرة في الظهور مجددًا، بعد أن كانت على حافة الانقراض.
ومن أبرز هذه الكنوز النباتية شجرة “الخزم”، وهي إحدى الأشجار النادرة التي ارتبطت بالإنسان منذ العصور القديمة، وعادت مؤخرًا لتزهر من جديد في أحضان الطبيعة.
شجرة الخزم، المعروفة أيضًا باسم “دم الأخوين” أو “شجرة العرّاب”، تُعد من النباتات ذات القيمة الجمالية والطبية العالية. يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أمتار، تتفرع منها فسائل متعددة، وتنبت عليها زهور بيضاء أنيقة، وجذورها، تغوص عميقًا في الأرض، مما يمنحها ثباتًا وقدرة على التكيف مع بيئتها الصعبة.
وأوضح الباحث في علم النبات، الدكتور أحمد قشاش، أن هذه الشجرة تنمو على امتداد سلسلة جبال السروات، من اليمن جنوبًا حتى جبال رضوى غرب المدينة المنورة، كما تم توثيق وجودها في جزيرة سقطرى اليمنية، المعروفة بإنتاج البخوريات وعصارة دم الأخوين.
وتتميّز هذه العصارة بلونها الأحمر الذي يتحول إلى بني داكن عند الجفاف، وقد استُخدمت منذ القدم في تعقيم الجروح، علاج التقرحات، وقف النزيف، وصناعة الصبغات والورنيش وحتى الأدوية الحديثة.
واستُخدمت في تلوين جدران الكهوف والكتابة على الصخور، حيث لا تزال بعض هذه الرسوم قائمة منذ أكثر من 4 آلاف عام، لا سيما في جبال شدا الأعلى والأسفل بمنطقة الباحة.
اقرأ أيضًا: هالة شمسية تزين سماء عسير في مشهد نادر يأسر الأنظار
وتحظى شجرة الخَزَم أيضًا بقيمة صناعية عالية، حيث تُستخدم جذوعها في صنع خلايا النحل، وهو ما أدى إلى تراجع أعدادها بسبب الطلب المتزايد من النحالين.
وتتعرض لهجمات من القرود، خاصةً خلال مواسم الجفاف، حين تقوم بتمزيق لحائها والتغذي على قلب جذعها.
تُعد منطقة الباحة، بفضل تنوع تضاريسها وتفاوت معدلات الأمطار على مدار العام، بيئة مثالية لعودة الحياة النباتية البرية، ما يجعلها مخزونًا طبيعيًا غنيًا لا يقدّر بثمن، والزراعة في المنطقة لم تكن يومًا ترفًا، بل كانت وما زالت عماد الحياة وسبب استمرار التنوع البيئي الفريد فيها.