أحمد السماري – الأديب والكاتب وصاحب العديد من الإصدارات الأدبية
يُعدّ الأدب العجائبي أو الفانتازي من أقدم الأجناس الأدبية التي سعت إلى تخطي الواقع واستكشاف العوالم الخفية والمستحيلة، وهو أدب يقوم على كسر قوانين الطبيعة والمنطق، واستحضار عوالم سحرية أو غرائبية يختلط فيها الواقع بالخيال، والعقل بالحلم، والممكن بالمستحيل.
وقد ظل هذا الأدب حاضراً في الثقافة الإنسانية منذ العصور الأولى، وإن اختلفت تسمياته وأشكاله عبر الحضارات.
وفيما يُنسب تأصيل الفانتازيا إلى الغرب الحديث من خلال أدب العصور الوسطى والأدب القوطي؛ فإنّ الريادة الفعلية يمكن ردّها إلى الأدب العربي، وتحديداً إلى قصص “ألف ليلة وليلة”، التي شكّلت مخزونًا سرديًا زاخرًا بالمخلوقات العجيبة، والسفر عبر الزمان والمكان، والعوالم التي تدار بالسحر والعجائب.
إنها ليست فقط قصصًا مسلّية، بل هي منظومة معرفية تفيض بالحكمة، وتخاطب العقل والخيال في آن التي شكلت فضاءً تخييليًا فريدًا مزج بين السحر والواقع، والحكمة والأسطورة. تلك الحكايات بما تتضمنه من عوالم الجن والطيران والسجاد السحري والممالك العجيبة تُعدّ بحق من أولى بدايات الأدب العجائبي في التاريخ.
ويُعرَّف الأدب العجائبي (الفانتازي) بأنه أدب يقوم على خرق قوانين الواقع، ويقدم عوالم بديلة تتأسس على الخيال المحض، وتستند إلى بنية سردية تنطلق من مفارقات غير مألوفة.
ويرى الناقد كمال أبو ديب أن مصطلح “المفانتاسيك” ظهر أولاً في أوروبا لتأطير هذا النوع من الإبداع التخيلي، لكنه يؤكد على وجود نظائر عربية قديمة سبقت هذا الاصطلاح بكثير.
ويُعتبر نص “حي بن يقظان” لابن الطفيل نموذجًا فلسفيًا عجيبًا، حيث يستعرض حياة إنسان نشأ منعزلًا عن البشر واكتشف العالم بالعقل وحده، مما يضفي على النص طابعًا فنتازيًا تأمليًا.
كما أن رواية “حسن العواقب” لزينب فواز تحمل في طياتها رؤى غرائبية واستشراقية ذات طابع فني غير تقليدي، خصوصًا في طرحها لقضايا المرأة والهوية ضمن إطار سردي جريء ومختلف.
يُعدّ الكاتب الإنجليزي تولكين؛ أحد أعظم كتّاب الأدب الفانتازي في العالم، وهو المؤسس الحقيقي لما يُعرف اليوم بـ”أدب الفانتازيا الحديثة”.
وتعتبر ثلاثيته الشهيرة “سيد الخواتم” من أعظم روايات الفانتازيا في القرن العشرين، ولويس كارول في “أليس في بلاد العجائب”، ونيل غيمان في أعماله المتنوعة.
أما في العالم العربي؛ فنجد نجيب محفوظ في “رحلة ابن فطومة”، وأحمد خالد توفيق في سلسلة “ما وراء الطبيعة”، وإبراهيم الكوني الذي مزج بين الأسطورة والصحراء.. هم أبرز من كتب الأدب العجائبي (الفانتازيا).
ويلاحظ منذ فترة ليست بالبعيدة الإقبال الكبير من قبل الشباب العربي على الأدب العجائبي والفانتازي، ويمكن إرجاع ذلك حسب تقديري لعدة عوامل نفسية وثقافية واجتماعية، جعلت هذا النوع من الأدب ملاذًا وجاذبًا، لا سيما الجيل الجديد الباحث عن المعنى والدهشة والهروب من الواقع في آنٍ واحد.