كشف باحثون من نيوزيلندا عن أن بعض المشاكل التي قد تبدو بسيطة في العين يمكن أن تكون بمثابة علامات تحذيرية مبكرة للإصابة بالخرف، حتى قبل أن تبدأ الأعراض التقليدية المعروفة مثل فقدان الذاكرة وصعوبات التفكير في الظهور.
وأكدت الدراسة الهامة، التي أجريت في جامعة أوتاغو، أن التغيرات الدقيقة التي تحدث في شبكية العين، وهي الجزء الحساس للضوء في مؤخرة العين، قد تعكس العمليات المرضية المعقدة المرتبطة بمرض ألزهايمر، وهو النوع الأكثر شيوعًا من الخرف الذي يصيب الملايين حول العالم.
وأوضحت الباحثة آشلي باريت يونغ، المؤلفة المشاركة في الدراسة، أن شبكية العين ترتبط بشكل مباشر بالدماغ عبر العصب البصري، مما يجعلها هدفًا واعدًا بشكل خاص للكشف المبكر عن الخرف.
وقالت: “يُعتقد أن العديد من التغيرات المرضية التي تحدث في الدماغ نتيجة لمرض ألزهايمر تنعكس أيضًا في بنية ووظيفة شبكية العين، هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام إمكانية استخدام فحوصات العين الروتينية كمؤشر حيوي لرصد خطر الإصابة بالخرف في مراحل مبكرة جدًا.”
واعتمد فريق الباحثين في دراستهم على بيانات قيمة تم جمعها من دراسة نيوزيلندية طويلة الأمد تتبعت صحة المشاركين على مدى سنوات عديدة، وقد تمكنوا من خلال تحليل هذه البيانات الشاملة من تحديد وجود ارتباط قوي بين زيادة خطر الإصابة بالخرف وعدد من التغيرات الملحوظة في العين، مثل تضييق الشرايين الدقيقة الموجودة في شبكية العين، واتساع الأوردة الدموية، وترقق طبقات الألياف العصبية الحساسة للضوء في الشبكية.
وقد تظهر هذه التغيرات الدقيقة لدى المرضى في البداية على شكل أعراض بصرية بسيطة مثل ضبابية غير مبررة في الرؤية أو فقدان جزئي ومؤقت للبصر. وهذا ما يجعل أهمية مراجعة طبيب العيون عند ملاحظة أي تغيرات بصرية جديدة أمرًا بالغ الأهمية، حيث قد تكون هذه التغيرات البسيطة مؤشرًا مبكرًا على مشكلة صحية أكثر خطورة.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن فحوصات العين الروتينية قد تتطور في المستقبل لتصبح أداة دقيقة وفعالة للتنبؤ بخطر الإصابة بالخرف قبل سنوات من ظهور الأعراض المعرفية الواضحة، وقد يتم تحقيق ذلك من خلال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لتحليل التغيرات الطفيفة جدًا في صور شبكية العين التي قد لا يلاحظها الطبيب البشري بسهولة.
ومع ذلك، أكدت الباحثة باريت يونغ على أن هذا المجال من البحث لا يزال في مراحله الأولية، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذه النتائج وتطوير أدوات تشخيصية عملية.
وأضافت: “نأمل بالتأكيد أن نصل إلى مرحلة يمكن فيها لفحص العين الروتيني أن يمنحنا مؤشرًا مبكرًا وموثوقًا على صحة الدماغ وخطر الإصابة بالخرف، لكننا لم نبلغ هذه المرحلة النهائية بعد.”
وتظل عملية تشخيص الخرف حاليًا معقدة وتعتمد بشكل كبير على التقييمات المعرفية الشاملة، بالإضافة إلى فحوصات الدماغ التصويرية المتقدمة وتحاليل الدم لاستبعاد أسباب أخرى محتملة للأعراض.
لذلك، فإن أي تقدم نحو اكتشاف علامات مبكرة للخرف، مثل تلك التي تم تحديدها في شبكية العين، يمكن أن يشكل ثورة حقيقية في مكافحة هذا المرض المدمر الذي يصيب أكثر من 6 ملايين أمريكي سنويًا ويتسبب في أكثر من 100 ألف حالة وفاة، مع ما يترتب على ذلك من أعباء اجتماعية واقتصادية هائلة.