مسعد أبوطالب – خبير قانوني
لم تعد شبكة الإنترنت مجرد وسيلة للعلم والمعرفة أو للتواصل بين الأفراد، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة كل من يمتلك هاتفًا ذكيًا أو جهازًا لوحيًا. ورغم أن الهدف الأسمى من هذه التكنولوجيا هو بناء الجسور بين البشر وتسهيل الوصول إلى المعلومات، إلا أن لها وجهًا آخر مظلمًا، يتمثل في الجرائم الإلكترونية التي تتعدد وتتطور يومًا بعد يوم.
وتتنوع الجرائم المرتبطة بالإنترنت بين الاحتيال المالي والابتزاز الإلكتروني وجرائم الإرهاب، لكن أخطرها ما ظهر مؤخرًا تحت اسم “المخدرات الرقمية”، وهي ظاهرة تستغل الإنترنت لبث موجات صوتية بترددات معينة تؤثر على الدماغ، فيشعر المستمع بتأثير يشبه إلى حد كبير تأثير المواد المخدرة التقليدية.
تعمل هذه الملفات الصوتية على إدخال المستمع في حالة من الهلوسة وتغيير المزاج والعواطف، إذ يستخدم مبتكروها الموسيقى بشكل غير تقليدي، لدفع المستمع نحو فقدان الوعي والشعور بالنشوة والشرود الذهني.
ومن الناحية القانونية، يواجه متعاطو المخدرات الرقمية خطورة ارتكاب جرائم أخرى وهم في حالة فقدان تركيز، مثل قيادة السيارة وهم في حالة شرود، ما قد يؤدي إلى حوادث مأساوية مشابهة لتلك التي يرتكبها متعاطو المخدرات الحقيقية.
لكن الإشكالية الكبرى تكمن في صعوبة علاج هؤلاء المتعاطين، إذ لا ينفع معهم العلاج الطبي التقليدي المخصص للمخدرات المعروفة، بل يحتاجون إلى علاج نفسي معقد، خاصة أن الطبيب النفسي يجد نفسه في موقف حرج عند التعامل مع مريض يجب أن يُعالج من تأثير أنواع معينة من الموسيقى، في حين تُستخدم الموسيقى أصلًا في العلاج النفسي لتعزيز الاسترخاء.
ورغم غياب الإحصائيات الرسمية، تشير تقارير غير رسمية إلى انتشار هذه الظاهرة بين المراهقين وحتى من هم في الأربعين من عمرهم، بينما تقف التشريعات عاجزة عن تجريم تعاطي هذا النوع من المخدرات، بسبب صعوبة إثبات الضرر النفسي المترتب عليها مقارنة بالجرائم المالية أو المادية التي يتركها المجرمون الآخرون على الإنترنت.