الدكتور فيصل الشمري- كاتب ومحلل سياسي مختص بالشأن الأمريكي
هناك تركيز استراتيجي محدد تعكسه زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للملكة العربية السعودية. للأسف وصفت صحيفة النيويورك تايمز الزيارة بأنها ضبابية الغرض. ولذا لم تكن مقالة النيويورك تايمز موفقة أيضا عندما كتبت بأن زيارة الرئيس ترامب للسعودية ما هى إلا بحث عن الصفقات، وانه لا يوجد طابع سياسي لها. وتبع هذا تصريح السيد دينيس روس المبعوث الأمريكي السابق الخاص إلى الشرق الأوسط والذي نقلته أيضا هذه الجريدة والذي قال فيه ان زيارة ترامب للسعودية هي زيارة اقتصادية وليست استراتيجية. هذه كلها أقاويل خاطئة وكلمات كاذبة. لا، زيارة الرئيس ترامب للملكة العربية السعودية هى زيارة لمناقشة موضوعات سياسية، واستراتيجية، وعسكرية هامة وتاريخية ومصيرية عاجلة.
أنها تؤكد على عمق الصلات التاريخية بين الرياض وواشنطن. إنها تأتي بعد ثلاثة أشهر من احتفال الدولتان بالذكرى السنوية الثمانون للقمة التاريخية التي عقدت على متن السفينة البحرية “كوينسي” في منطقة البحيرات المرة على ساحل قناة السويس في مصر. التقى جلالة الملك عبد العزيز فيها بالرئيس الأمريكي وقت ذاك فرانكلين روزفلت. ورسخ هذا اللقاء دعائم العلاقات المتينة التي تربط السعودية وأمريكا حتى وقتنا الحاضر.
هو أيضا شهادة على نجاح سياسات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سالمان في إعطاء الأولوية للتنمية وقيام النهضة السعودية الشاملة المعاصرة. سوف تكون زيارة الرئيس الأمريكي دعم لمجهودات الأمير محمد بن سلمان في أن تحقق السعودية أهدافها في تعزيز مكانة المملكة في كافة المجالات. لو لم تكن خطة “سعودية ٢٠٣٠” ناجحة لما حل الرئيس الأمريكي ضيفا على المملكة. إنها إشارة واضحة إلى اعتراف واشنطن بأن السعودية هى قوة صاعدة وقادرة على تغير مسار العلاقات الدولية إلى مستوى أفضل في مناطق كثيرة من العالم. انها إدراك لدور السعودية في محاربة التطرف والإرهاب وان يكون العمل بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف هو اختيار الوسطية كمنهج عام وسلوك في الدنيا والدين.
سوف يستمع الرئيس الأمريكي إلى وجهة نظر السعودية الحكيمة فيما يتعلق بعدة ملفات استراتيجية مثل ايران، سوريا، لبنان، اليمن، وليس أخيراً الموقف الذي مازال متوترا ما بين الهند وباكستان. في ما يتعلق بالحرب الهندية-الباكستانية الأخيرة، تدرك المملكة ان هناك ما يقرب من نصف مليار مسلم يعيشون في هاتان البلدان. وتستطيع السعودية ان تنسق مع ادارة ترامب خطوات منع نشوب أي قتال ما بين الهند وباكستان في الحاضر والمستقبل.
لكن تبقى قضية فلسطين المحور الأساسي للدبلوماسية السعودية. وتستطيع السعودية ان تقنع الرئيس دونالد ترامب بضرورة العمل بوقف إطلاق النار فورا في غزة. وهذا التغير في موقف الرئيس الأمريكي بدأت بوادره في هذه اللحظة، و كان مثار تعليق صحيفة هآرتس الإسرائيلية والتي قالت ان ترامب يصرح علانية الآن بضرورة “إنهاء هذه الحرب المؤلمة.” وأشارت الصحيفة إلى أن هذا سوف يسبب خلاف عميق ما بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي.
نجح الأمير محمد بن سالمان في تغيير المعادلة السياسية التاريخية لعلاقات أمريكا الخارجية حيث انتهج كل رؤساء الولايات المتحدة عادة القيام بزيارة رسمية إلى المملكة المتحدة في أول لهم رحلة خارج حدود بلادهم. لكن أصبحت المملكة السعودية هي الدولة الوحيدة والأولى التي يزورها الرئيس الأمريكي.
ولا يجب فهم زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية على إنها محاولة لكبح جماح الصين والذي زاد بصورة ملحوظة في فترة العقود الثلاث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط لعدة أسباب. التقارب السعودي-الأمريكي في العديد من المجالات يفتح الباب على مصراعيه لان تكون للولايات المتحدة سياسة نشطة في كافة المشاركات الدولية، وفي كل ارجاء العالم. تستطيع السعودية إقامة سياسة متوازنة مع كل دول العالم، فهي دولة لها علاقاتها القوية والوثيقة مع أمريكا لكنها تحافظ أيضا على علاقات جيدة مع روسيا والصين والاتحاد الأوربي وكل أقطار العالم.
هناك أيضا ميزة جديدة سوف يجنيها الرئيس ترامب من زيارته للملكة. سوف تجعله هذه الزيارة رجل دولة له أولوياته المنظمة في رسم سياسة بلاده الخارجية. نعم هناك حيوية في أسلوب إدارة ترامب لسياسات بلاده لكنه لم يكن أسلوب يمكن التنبؤ به أو توقع حدوثه. زيارة ترامب للسعودية سوف تجعله أكثر توازنا في سياسة بلاده الخارجية وأن تكون مزيج من النشاط والهمة مصحوبة بالهدوء والواقعية والاجتهاد.
المملكة العربية السعودية عندما تستضيف الرئيس الأمريكي فهي تمثل كل العرب والمسلمين. قمة الرياض سوف تكون تقييم لكل الاحداث والظروف والمناسبات والتغيرات بما يخدم المصلحة الوطنية السعودية وأيضا العمل على إحلال السلام الدولي والإقليمي. الملكة العربية السعودية هي سيدة نفسها، وترامب سوف يدير سياسة خارجية ناجحة انطلاقاً من زيارته للسعودية.