د. فيصل الشمري
خطاب الرئيس دونالد ترمب بالأمس أمام منتدى الاستثمار السعودي- الأمريكي يمثل تحوله إلى المدرسة الواقعية في السياسة الأمريكية الخارجية، وهذا توجه حميد نأمل أن يستمر حتى تكون سياسة أمريكا ناجحة، وأن تتخلص الولايات المتحدة من الإخفاقات التي وقعت فيها في السنوات الأخيرة الماضية.
أول معالم هذا التوجه الواقعي في سياسة ترمب الخارجية هي تقدير الرئيس الأمريكي للمملكة العربية السعودية، ليست فقط على أنها دولة قوية، بل بسبب أنها مركز حضاري كبير في العالم ولكل العرب والمسلمين. تحدث ترمب عن السعودية على أنها بلد ودولة وقيادة ومجتمع وشعب واحد وكبير ومتماسك، ويمثل نموذجًا يُحتذى به لكل دول العالم.
السعودية بالنسبة لترمب هي أصدق تعبير عن تضامن الوطنية والقومية لخلق حالة جديدة من الاستقرار والعلاقات الدولية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الراسخة والرائعة والمتميزة. وإذا كان الرئيس الأمريكي على دراية بقدرة أصدقاء أمريكا في العالم متمثلًا في علاقات الصداقة ما بين السعودية والولايات المتحدة، فهو أيضًا يعرف الدول التي تريد أن تصبح قوى إقليمية وتهدد هذا الاستقرار الإقليمي والدولي. وكان الرئيس الأمريكي يقصد بهذا إيران. حدد الرئيس ترمب معادلة التعامل مع إيران قائلًا: إنه لن يسمح بأي حال من الأحوال بأن تمتلك إيران أسلحة نووية. وقال: إنه يسعى لتوقيع اتفاق مع إيران حول أنشطتها النووية. وذكر الرئيس الأمريكي البديل الاستراتيجي لهذا بأنه سوف لا يسمح لإيران بتصدير نفطها لو لم توقّع اتفاقًا نوويًا جديدًا يضمن عدم وجود تهديد من قبلها لأي دولة، وبالذات من الدول التي تجاورها. ليت الرئيس ترمب يحدد جدولًا زمنيًا لكيفية توصل إدارته مع طهران حول البرنامج النووي الإيراني.
جزم ترمب بأنه يؤمن بالسلام القائم على القوة. وتعهد ترمب بحماية بلاده والدفاع عن أي دولة تصادق أمريكا أو تكون لها شراكة مع الولايات المتحدة. برع ترمب أيضًا في وصف قوة أمريكا النووية بأنها فقط قوة ردع، ولكنه يرفض أن تكون هذه القوة مجالًا وأسلوبًا في التعامل مع بقية دول العالم. حدد ترمب أيضًا مخاطر الحوثي، وقال: إن استخدام القوة المسلحة ضدهم أجبرهم على وقف هجماتهم على السفن العابرة للبحر الأحمر، وأن هذا سوف يدفعهم للتفاوض وإنهاء اعتداءات صواريخهم على حرية الملاحة في البحر الأحمر.
وفي تطور مثير لم يُعلن إعلاميًا من قبل، قال ترمب: إنه بذل مجهودًا كبيرًا من أجل وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان. ذكر ترمب أن الصراع كان يتصاعد، وكان يأخذ الاندفاع نحو احتمال استخدام القوة النووية. قال ترمب: إنه بعث برسائل عاجلة إلى قادة الهند وباكستان، قائلًا لهم: بدلًا من أن تكون بينكما حرب، عليكم زيادة التجارة فيما بينكما. كانت هذه الخطوة مهمة وبمثابة مفاجأة للجميع، ورسالة بأن ترمب قد يستخدم القوة التجارية وليست العسكرية لإنهاء الحروب والخلافات ما بين العديد من الدول المتحاربة. وهذا ما دفع العديد من خبراء العلاقات الدولية إلى التكهن بأن ترمب قد يقدم اقتراحات بشأن إمكانية استخدام التجارة كعامل لوقف القتال ما بين روسيا وأوكرانيا، بمعنى أن تزداد العلاقات الاقتصادية ما بين موسكو وكييف، وهذا يجعل أي حرب جديدة بينهما في المستقبل مستحيلة.
اعترف ترمب أيضًا بحماقة السياسة الخارجية الأمريكية القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية والخصوصيات لأقطار عدة. وقال: إن التدخل الأمريكي المباشر ضد عدة دول عقد من الأمور ولم يعالجها. وأشار أيضًا إلى أن من دعا لإقامة حروب أمريكية ضد دول معينة كانوا يجهلون ما في هذه الدول من مشاكل وأحوال غير مألوفة لمن دعا لهذا التدخل العسكري. وهنا تجلت واقعية دونالد ترمب في أحسن صورها، عندما ذكر أن مجتمعات السعودية ودول الخليج والشرق الأوسط بصفة عامة تتغير للأفضل وبصورة إيجابية بدون حروب أمريكية أو ضغوط أجنبية. وكان الرئيس الأمريكي ذكيًا عندما مدح وأشاد بما سماه “الطريقة العربية” في التغيير. وإذا كان هناك شرح لهذا المدلول، فهو أنه من الضروري أن يكون التغيير متوافقًا مع قيم ومبادئ المجتمع، وألا يحدث خلل في المنظومة المجتمعية للبلاد. وهنا يجب طرح اقتراح، على الأقل، بأن يأمر الرئيس ترمب وزارة الدفاع الأمريكية بعدم تحضير خطط حربية تعلن عن عقيدة عسكرية جديدة تدعو إلى التدخل العسكري في دول أجنبية.
طالب الرئيس الأمريكي بوقف حرب غزة. وهذا يدعونا إلى القول بأنه عليه أن يبذل ضغوطًا كثيرة على الحكومة الإسرائيلية لوقف مجازرها في غزة.
أخيرًا، الواقعية في السياسة الخارجية تؤمن بأهمية دور الصفوة في مواجهة التحديات الدبلوماسية. وهناك لم يستطع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلا إقناع محدثيه بأن من أفضل منه اجتهادًا ونجاحًا هما خادم الحرمين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واللذان أشاد بحكمتهما ودورهما الريادي والقيادي كل الوقت أثناء خطابه.