عبود بن علي آل زاحم
خبير تدريب وتطوير المواهب
وعضو الجمعية السعودية للموارد البشرية
«القيادة ليست أن تكون المسؤول، بل أن تعتني بمن أنت مسؤول عنهم» – سيمون سينك.
تخيل أن تدخل إلى مكتبك كل صباح، وتجد من ينتظرك بابتسامة، لا لأنك رئيسه، بل لأنك مصدر أمانه المهني. هذا هو الفرق بين من “يدير” ومن “يقود”. كثيرًا ما تختلط علينا الأدوار في بيئات العمل: هل نحن مسؤولون عن تحقيق النتائج فقط؟ أم أننا مسؤولون أولًا عن من يصنع هذه النتائج؟
في بيئة العمل الحديثة، لم يعد مقياس القيادة هو مدى قوة القرار، بل مدى عمق العناية. نعم، العناية. هذه الكلمة التي قد تبدو للبعض عاطفية، غير أنها باتت في قلب مفاهيم القيادة الاستراتيجية اليوم. فالقائد الذي يهتم بفريقه، يستثمر فيه، يصغي له، ويدافع عنه، هو من يخلق فرقًا حقيقيًا لا تُقاس نتائجه بالأرقام فقط، بل بقلوب من عملوا معه.
قصة واقعية: القيادة التي أنقذت حياة موظف
في إحدى الشركات التقنية العالمية، لاحظ مدير الفريق غياب أحد موظفيه بشكل متكرر. بدلاً من اتباع المسار التقليدي في الاستدعاء والإنذار، قرر المدير زيارته في منزله. ليتفاجأ أن الموظف يعاني من اكتئاب حاد بعد فقدان زوجته. لم يكتف المدير بتقديم الدعم النفسي، بل نسق مع الموارد البشرية لتوفير جلسات علاج نفسي على حساب الشركة، وأعفى الموظف من بعض المسؤوليات مؤقتًا. بعد ستة أشهر، عاد الموظف أكثر التزامًا وعطاء، بل وأصبح من أكثر مناصري ثقافة “العناية بالموظف” داخل الشركة.
هذه القصة تُثبت أن القادة ليسوا فقط من يحلون المشكلات، بل من يرون ما وراء السلوك، ويصغون إلى ما لا يُقال.
القيادة تبدأ من الداخل
القيادة ليست منصبًا تمنحه الإدارة العليا، بل موقفًا يتبناه الإنسان. تبدأ من فهم الذات، من التواضع، من الإيمان بأن كل شخص في الفريق يملك قصة تستحق الاحترام. وحين يشعر الموظف بأن من يقوده يراه كإنسان قبل أن يراه كأداة إنتاج، فإن الولاء لا يُطلب، بل يُمنح طواعية.
إن المدير الذي يُلهم، لا يُخيف، هو من يزرع في فريقه الثقة، وهو من يخلق بيئة لا تحتاج إلى رقابة مشددة، لأن الالتزام ينبع من الانتماء، لا من الخوف.
القيادة التي تبني القادة
واحدة من أعظم مؤشرات نجاح القائد ليست في عدد الإنجازات التي يضعها في سيرته الذاتية، بل في عدد القادة الذين نشأوا على يده. فالقائد الذي يفتح المجال لمن حوله للظهور، والذي لا يخشى أن يتفوّق عليه أحد من فريقه، هو القائد الذي يستحق أن يُقال عنه: “ترك بصمة في نفوس من عملوا معه، لا فقط على جدران المكتب.”
في الختام…
القيادة الحقيقية هي فن العناية بالبشر. هي أن تترك الأثر لا الأوامر. أن تصنع مساحات للثقة لا دوائر للرقابة. أن تُعامل الناس على أنهم بشر لهم مشاعر وطموحات، لا فقط موارد لأداء مهام.
وكما يقول سيمون سينك: “القيادة لا تتعلق بكونك في القمة، بل بقدرتك على رفع الآخرين معك.”
فهل نختار أن نكون قادة يصنعون الأثر؟ أم نكتفي بأن نكون مجرد “مسؤولين”؟